الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب : قال السدي: يعني: الكافر والمؤمن، وقال الحسن: يعني: الحلال والحرام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 526 ] ولو أعجبك كثرة الخبيث أي: ولو كثر الحرام، أو الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام : (البحيرة) فيما ذكره المفسرون: الناقة، كانت في الجاهلية إذا نتجت خمسة أبطن، فكان آخرها ذكرا; بحروا أذنها; أي: شقوها ولم يذبحوها، ولم تطرد عن ماء، ولم تمنع من مرعى، ولم يركبها أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      الكلبي: كانوا إذا نتجت خمسة أبطن، وكان الخامس ذكرا; أكله الرجال دون النساء، وإن كان أنثى; بحروا أذنها; أي: شقوها، وتركت لا يشرب لها لبن، ولا تركب، وإن كانت ميتة; اشترك فيها الرجال والنساء.

                                                                                                                                                                                                                                      وسميت (بحيرة); لشقهم أذنها، (بحرت); إذا شقت شقا واسعا، والناقة: (بحيرة)، و (مبحورة).

                                                                                                                                                                                                                                      فأما (السائبة); فقيل: هو ما كان أحدهم يفعله إذا مرض; فينذر إن شفي أن يسيب ناقته، فإذا فعل ذلك; لم تمنع من ماء، ولا كلأ، وقد يسيبون غير [ ص: 527 ] الناقة، وكانوا إذا سيبوا العبد، لم يكن عليه ولاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كانت الناقة إذا تتابعت ثنتي عشرة أنثى، ليس فيها ذكر; سيبت، فلم تركب، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها، فما نتجت بعد ذلك من أنثى; شقت أذنها، وخليت) مع أمها; فهي البحيرة بنت السائبة.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الوصيلة): من الغنم، إذا ولدت الشاة سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا; ذبحوه، وكان لحمه للرجال دون النساء، وإن كان أنثى; لم يذبحوها، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: (وصلت أخاها)، ولم يذبحوهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: ولم يشرب من لبنها إلا الذكور خاصة، وإن كانت ميتة; أكلها الرجال والنساء، وتلا: وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا [الأنعام: 139] الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (الوصيلة): الشاة، تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن، ليس فيه ذكر; فيقولون: وصلت; فما ولدت بعد ذلك; فهو للذكور دون الإناث، إلا أن يموت منها شيء; فيشترك في أكله الذكور والإناث.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما (الحامي); فهو البعير، ينتج من ظهره عشرة أبطن، ذكورا أو إناثا، فيقولون: (قد حمى ظهره)، ويخلى; فلا يركب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 528 ] وقيل: هو الفحل، ينتج من ظهره عشر إناث متتابعات، ليس بينهن ذكر; فيقولون: (قد حمى ظهره); فلا يركب، ولا يجر، ولا ينتفع به لغير الضراب.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس: أنه البعير الذي تركب أولاد أولاده.

                                                                                                                                                                                                                                      فأعلم الله تعالى أن ذلك افتراء منهم عليه، لم يأمرهم به.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثرهم لا يعقلون : قال الشعبي: يعني: الأتباع

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: ما جعل الله من بحيرة رد على من قال: إنا جعلناه قرآنا عربيا [الزخرف: 3]: خلقناه; لأنه يلزمهم أن يكون المعنى ههنا: ما خلق الله من بحيرة، ومثله في القرآن كثير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم القول فيما يلي هذا إلى قوله: يوم يجمع الله الرسل .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فيقول ماذا أجبتم : أنه سؤال للرسل، وتوبيخ للأمم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله إخبارا عن الرسل: قالوا لا علم لنا : قال ابن عباس: المعنى: لا علم لنا إلا ما علمتنا; فحذف.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، ومجاهد: لما فزعوا من هول ذلك المقام; زالت أفهامهم، فقالوا: لا علم لنا، ثم ثابت إليهم عقولهم; فأخبروا بما علموا.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المعنى: لا علم لنا بباطن إجابة الأمم، وإنما نعلم ما ظهر، ويدل على ذلك قوله: إنك أنت علام الغيوب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 529 ] وقيل: إنما سئلوا عن إجابة من كان بعدهم من الأمم; فقالوا: لا علم لنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك : هذا من صفة يوم القيامة، كأنه قال: اذكر يوم يجمع الله الرسل، وإذ يقول الله لعيسى كذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي : معنى (أوحيت): ألهمت، وقيل: معناه: أمرتهم، وقيل: معناه: بينت لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية