التفسير:
قوله ت عالى يبين لكم على فترة من الرسل : (الفترة) : ما بين نبيين، وكانت الرسل متواترة بين موسى وعيسى (عليهم السلام، ثم انقطع الوحي إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بين عيسى و محمد] عليهما الصلاة والسلام - فيما روي - ست مئة سنة، عن الحسن، وقتادة.
: أربع مئة وبضع وستون سنة. الضحاك
أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أي : كراهة أن تقولوا ذلك.
قال : قال ابن عباس معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب [ ص: 440 ] لليهود: يا معشر يهود; اتقوا الله ربكم، فوالله إنكم لتعلمون أن محمدا رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه بصفته، فقالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بعده من بشير ولا نذير، فنزلت الآية.
والله على كل شيء قدير أي: قدير على إرسال من شاء من خلقه، وقيل: قدير على إنجاز ما بشر به، وأنذر منه.
وإذ قال موسى لقومه : أي: اذكروا إذ قال موسى لقومه.
يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا : قال ، ابن عباس : جعلهم ملوكا بالمن، والسلوى، والحجر، والغمام، وعن ومجاهد أيضا: يعني: الخادم، والمنزل، وقاله ابن عباس ، وزاد: الزوجة. مجاهد
كانوا أول من ملك الخدم. قتادة:
: ملكوا أنفسهم بالتخلص من القبط الذين كانوا يستعبدونهم. الحسن ملكوا أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم. السدي:
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين : الخطاب لبني إسرائيل، عن ، ابن عباس وغيرهما. والحسن،
[ ص: 441 ] قال : عالمي زمانهم. الحسن
، ابن جبير وأبو مالك : الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
و الأرض المقدسة : أرض بيت المقدس، عن ، ابن عباس وغيرهما. والسدي،
: قتادة الشام.
الزجاج: دمشق، وفلسطين، وبعض الأردن .
: أرض مجاهد الطور.
ولا ترتدوا على أدباركم أي: لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها، وقيل: لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته.
إن فيها قوما جبارين : (الجبار) : المتعظم، الممتنع من الذل والقهر، وأصله: من الإجبار; وهو الإكراه، كأنه يجبر غيره على ما يريده.
وقيل : هو مأخوذ من جبر العظم; فأصل (الجبار) : المصلح أمر نفسه، ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو باطل.
وقيل: إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه.
: (جبارين) : سفلة، لا خلاق لهم. الضحاك
قال : لما بعث ابن عباس موسى من قومه اثني عشر نقيبا; ليخبروه [ ص: 442 ] خبرهم; رآهم رجل من الجبارين، فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه، وجاء بهم إلى الملك، فنثرهم بين يديه، وقال له: إن هؤلاء يريدون قتالنا، فقال لهم الملك: ارجعوا إلى صاحبكم، فأخبروه خبرنا.
وقوله: وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها قالوا ذلك خوفا من الجبارين، ولم يقصدوا العصيان; لأنهم قالوا: فإن يخرجوا منها فإنا داخلون .
قال رجلان من الذين يخافون : قال ، وغيره: هما ابن عباس يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا ، وهما من النقباء.
: هما رجلان كانا في مدينة الجبارين على دين الضحاك موسى.
ومن قرأ: (يخافون) ; فهما من الجبارين. 50 ومعنى أنعم الله عليهما : أنعم عليهما بالإسلام، ورجع كل واحد من النقباء - فيما روي - بنهي سبطه عن قتال الجبارين، سوى الرجلين المذكورين.
فاذهب أنت وربك فقاتلا أي: فاذهب أنت فقاتل، وليعنك ربك.
قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي : [يجوز أن يكون أخبر] أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه; لأن أخاه كان يطيعه، ويجوز أن يكون المعنى: قال رب إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال: (وأخي) ; أي: وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه، [ ص: 443 ] فـ (أخي) على القول الأول في موضع نصب، وعلى الثاني في موضع رفع، ويجوز أن يكون منصوبا على العطف على الياء في (إني) ; أي: إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا، [ويجوز أن يكون رفعا على العطف على ما في (لا أملك) ; كأنه قال: لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا].
فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أي: فاقض بيننا وبينهم، عن الضحاك.
وقيل : معناه : باعد بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به.
وقيل: إنما أراد في الآخرة; أي: اجعلنا في الجنة، ولا تجعلنا معهم في النار.
وقوله: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض : (أربعين سنة) : ظرف للتيه في قول الحسن، قالا: ولم يدخلها أحد منهم، فالوقف على هذا على (عليهم) . وقتادة،
وقال وغيره: (أربعين سنة) ظرف للتحريم، فالوقف على هذا على (أربعين سنة) ، وقوله: (يتيهون في الأرض) : في موضع الحال. الربيع بن أنس،
وأصل (التيه) في اللغة: الحيرة، و (الأرض التيهاء) : التي لا يهتدى فيها. وروي عن : أن ابن عباس موسى عليه السلام مات في التيه.
وقال غيره: نبأ الله يوشع بن نون، وأمره بقتال الجبارين.
[ ص: 444 ] وقال : لم يمت الحسن موسى في التيه.
وقيل : إن قتل موسى لعوج، وفتح مدينة الجبارين; لم يشهده أحد من
الذين ضرب عليهم التيه، إنما شهده أبناؤهم.
قال وهب: لما نظر عوج إلى عسكر موسى ـ عليه السلام ـ اقتلع صخرة من الأرض على قدرهم، واحتملها; ليرسلها عليهم; فبعث الله الهدهد ومعه قطعة من ماس، فأدارها على الصخرة تلقاء رأسه، فسقط موضع التقوير في عنقه، وضربه موسى بعصاه في العرق الذي تحت كعبه، فخر ميتا.
فلا تأس على القوم الفاسقين : قيل: هو خطاب لموسى، وقيل : لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا تحزن على هلاكهم; لفسقهم.