الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال ابن عباس ، وقتادة: هو أن يدعو على من ظلمه، ومعناه عند مجاهد: أن يخبر بظلم ظالمه ، قال : ونزلت بسبب رجل ضاف قوما; فلم يحسنوا إليه; فالمعنى: لكن من ظلم; فله أن يذكر ما فعل به.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، لكن من ظلم، فانتصر بمثل ما ظلم به; فليس عليه جناح.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : هو الرجل يظلم; فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه، ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، واستخرج لي حقي منه، ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      قطرب: إنما يراد بذلك: المكره; لأنه مظلوم، فذلك موضوع عنه وإن كفر، قال: ويجوز أن يكون إلا من ظلم على البدل، كأنه قال: لا يحب الله إلا من ظلم، يريد: أنه يأجره، ولا يحب الظالم، فالتقدير على هذا: لا يحب الله ذا الجهر بالسوء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 374 ] ومن قرأ : إلا من ظلم ; فقال الضحاك : معناه : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : المعنى: لا يحب الله أن يقال لمن تاب من النفاق : ألست نافقت؟ إلا من ظلم; أي: أقام على النفاق، ودل على ذلك قوله: إلا الذين تابوا .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: إلا من ظلم فقال سوءا; فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه ، فهو على هذا استثناء منقطع، وقيل : المعنى: لا يجهر أحد بالسوء من القول، إلا من ظلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الذين يكفرون بالله ورسله ، الآية; يعني به : اليهود والنصارى، وقد تقدم مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا : قال قتادة: اتخذوا اليهودية والنصرانية، وتركوا الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: يريدون أن يتخذوا بين ذلك دينا يدينون الله به.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك هم الكافرون حقا : تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم، حين وصفهم بأنهم يقولون: نؤمن ببعض، ونكفر ببعض .

                                                                                                                                                                                                                                      والذين آمنوا بالله ورسله ، الآية; يعني به : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 375 ] يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء : سألته اليهود أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا ، قاله السدي، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم معنى فقالوا أرنا الله جهرة ، ورفع الطور.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى بميثاقهم بما أعطوه من الميثاق ليعملن بما في التوراة.

                                                                                                                                                                                                                                      فبما نقضهم ميثاقهم أي: [فبنقضهم ميثاقهم، و (ما) : مؤكدة، والباء: متعلقة بمحذوف، التقدير]: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، عن قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي : هو متعلق بما قبله; والمعنى: فأخذتهم الصاعقة [بظلمهم، إلى قوله: فبما نقضهم ميثاقهم ، قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة] من أجله بما بعده; من نقضهم ميثاقهم، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بين من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم، وأنكر ذلك الطبري وغيره; لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى، والذين قتلوا الأنبياء، ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان ، وهذا لا يلزم; لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم، على ما قدمناه في غير هذا الموضع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 376 ] الزجاج : المعنى : فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، وفعلهم كذا، وفعلهم كذا; طبع الله

                                                                                                                                                                                                                                      على قلوبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكرر قوله: (وبكفرهم) ; ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى: وبكفرهم بالمسيح، فحذف; لدلالة ما بعده عليه، والعامل في (بكفرهم) : هو العامل في (بنقضهم) ; لأنه معطوف عليه، ويجوز أن يكون العامل فيه (طبع) .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن شبه لهم أي : ألقي شبهه على غيره ، وقيل : لم يكونوا يعرفون شخصه، وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه، كما قال : وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، والإخبار : قيل: إنه عن جميعهم، وقيل: لم يختلف فيه إلا عوامهم، الحسن : معنى اختلافهم فيه: قول بعضهم: إنه إله، [وبعضهم: هو ابن الله ، تعالى الله] .

                                                                                                                                                                                                                                      وما قتلوه يقينا : قال ابن عباس ، والسدي : المعنى: ما قتلوا ظنهم يقينا; [ ص: 377 ] فهو كقولك : (قتلته علما) ; إذا علمته علما تاما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى: وما قتلوا علمهم يقينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا، [فالوقف على هذه الأقوال على قوله: (يقينا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المعنى: وما قتلوا عيسى]، والوقف على (وما قتلوه) ، و (يقينا) : نعت لمصدر محذوف; أي: قالوا هذا قولا يقينا، النحاس: إن قدرت المعنى: (بل رفعه الله إليه يقينا) ; فهو خطأ; لأنه لا يعمل ما بعد (بل) فيما قبلها; لضعفها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز ابن الأنباري الوقف على قوله: (وما قتلوه) ، على أن ينصب (يقينا) بفعل مضمر هو جواب القسم، تقديره: ولقد صدقتم يقينا; أي: صدقا يقينا ، ويكون بل رفعه الله إليه مستأنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 378 ] وقوله: بل رفعه الله إليه أي : إلى سمائه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به : قال ابن عباس ، والحسن، ومجاهد ، وغيرهم: المعنى: ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الهاءين جميعا لعيسى; والمعنى: ليؤمنن به من كان حيا حين

                                                                                                                                                                                                                                      نزوله، وقبل يوم القيامة ، قاله قتادة، وابن زيد ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية على مذهب سيبويه: حذف موصوف; التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته، وفيها على مذهب الكوفيين: حذف موصول; التقدير : وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، وفيه قبح; لأن الصلة كبعض الموصول، فكأنه حذف بعض الاسم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أي: بأنه بلغ، ويشهد لمن صدقه بالتصديق، وعلى من كذبه بالتكذيب.

                                                                                                                                                                                                                                      فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ; قدم (فبظلم) ; إذ هو الغرض الذي قصد إلى الإخبار عنه بأنه سبب التحريم.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : هذا بدل من قوله: فبما نقضهم ميثاقهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 379 ] و (الطيبات) : ما قصه الله في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الظلم) : هو نقضهم الميثاق، وكفرهم بآيات الله، وما ذكر قبل هذا وبعده.

                                                                                                                                                                                                                                      لكن الراسخون في العلم الآية: الراسخون في العلم : الثابتون فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      والمقيمين الصلاة : مذكور في الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح : هذا متصل بقوله: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فأعلم الله ـ تعالى ـ أن أمر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأمر من تقدمه من الأنبياء، وفي عطف بعض الأنبياء على بعض تقديم المتأخر على المتقدم; لأن الواو لا توجب الترتيب.

                                                                                                                                                                                                                                      وكلم الله موسى تكليما : أكده بالمصدر; ليدل على أنه تولى تكليمه بنفسه عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      لكن الله يشهد بما أنـزل إليك : هذا محمول على المعنى; لأن (لكن) لا تقع إلا بعد نفي، فلما كانوا قد كذبوا; صاروا قد نفوا، وأيضا: فإن بعدها هنا جملة، فوقوعها بعد الإيجاب جائز، وإنما لا تقع (لكن) إلا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 380 ] أنـزله بعلمه أي: وفيه علمه، وقيل: أنزله وهو يعلم أنك أهل لإنزاله عليك.

                                                                                                                                                                                                                                      والملائكة يشهدون : ذكر شهادة الملائكة; ليقابل بها شهادة الآدميين.

                                                                                                                                                                                                                                      يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم أي: لا تتجاوزوا فيه حد الحق; ويعني بذلك - فيما ذكره المفسرون-: غلو اليهود في عيسى ـ عليه السلام ـ حتى قذفوا مريم، و غلو النصارى فيه، حتى جعلوه ربا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وروح منه : سمي (روحا) ; بسبب نفخة جبريل عليه السلام، فسمي النفخ روحا; لأنه ريح يخرج من روح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سمي روحا; لأنه كان بإحياء الله إياه، وقوله: (كن) ; فالمعنى:

                                                                                                                                                                                                                                      وحياة منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى : (روح) رحمة، قال أبي بن كعب : معنى (وروح منه) : أن الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره، وجعلهم أرواحا; كان روح عيسى في تلك الأرواح، فأرسل إلى مريم، فدخل فيها، فحملت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 381 ] وقيل: إن قوله: وروح منه معطوف على المضمر الذي هو اسم الله ـ تعالى ـ في ألقها ، و (الروح) : جبريل; فكان التقدير: ألقى الله وجبريل الكلمة إلى مريم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن معنى وروح منه : وبرهان منه، سمي روحا; لأنه يحيا به من قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تقولوا ثلاثة أي: لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، عن الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: لا تقولوا: الله ثلاثة، كما قالت النصارى: أب، وابن، وروح القدس.

                                                                                                                                                                                                                                      لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون : استدل من يرى أن الملائكة أفضل من الآدميين بهذه الآية، ومعنى (لن يستنكف) : لن يأنف من أن يكون عبدا لله ، ومعنى (المقربين) : المقربون من رحمة الله ورضاه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنـزلنا إليكم نورا مبينا يعني: القرآن، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      و (البرهان) ههنا: النبي صلى الله عليه وسلم، عن الثوري، مجاهد : (البرهان) هنا: الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 382 ] وقوله: إن امرؤ هلك ليس له ولد أي : ليس له ولد ولا والد; لأنه لا يكون كلالة إلا إذا لم يترك ولدا ولا والدا، ودل على هذا المحذوف ذكر الكلالة.

                                                                                                                                                                                                                                      وله أخت يعني: من أبيه وأمه، وقد تقدم ذكر أحكامها.

                                                                                                                                                                                                                                      يبين الله لكم أن تضلوا أي: كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف . الكسائي ، وأبو عبيد: لئلا تضلوا، فحذفت (لا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى: يبين الله لكم الضلال; لتجتنبوه; فـ (أن) والفعل مصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية