التفسير:
قوله: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال ، ابن عباس هو أن يدعو على من ظلمه، ومعناه عند وقتادة: أن يخبر بظلم ظالمه ، قال : ونزلت بسبب رجل ضاف قوما; فلم يحسنوا إليه; فالمعنى: لكن من ظلم; فله أن يذكر ما فعل به. مجاهد:
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، لكن السدي: من ظلم، فانتصر بمثل ما ظلم به; فليس عليه جناح.
: هو الرجل يظلم; فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه، ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، واستخرج لي حقي منه، ونحوه. الحسن
قطرب: إنما يراد بذلك: المكره; لأنه مظلوم، فذلك موضوع عنه وإن كفر، قال: ويجوز أن يكون إلا من ظلم على البدل، كأنه قال: لا يحب الله إلا من ظلم، يريد: أنه يأجره، ولا يحب الظالم، فالتقدير على هذا: لا يحب الله ذا الجهر بالسوء.
[ ص: 374 ] ومن قرأ : إلا من ظلم ; فقال : معناه : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم. الضحاك
: المعنى: لا يحب الله أن يقال لمن تاب من النفاق : ألست نافقت؟ إلا من ظلم; أي: أقام على النفاق، ودل على ذلك قوله: ابن زيد إلا الذين تابوا .
يجوز أن يكون المعنى: إلا من ظلم فقال سوءا; فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه ، فهو على هذا استثناء منقطع، وقيل : المعنى: لا يجهر أحد بالسوء من القول، إلا من ظلم. الزجاج:
وقوله: إن الذين يكفرون بالله ورسله ، الآية; يعني به : اليهود والنصارى، وقد تقدم مثله.
وقوله تعالى: ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا : قال اتخذوا اليهودية والنصرانية، وتركوا الإسلام. قتادة:
يريدون أن يتخذوا بين ذلك دينا يدينون الله به. ابن جريج:
أولئك هم الكافرون حقا : تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم، حين وصفهم بأنهم يقولون: نؤمن ببعض، ونكفر ببعض .
والذين آمنوا بالله ورسله ، الآية; يعني به : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته.
[ ص: 375 ] يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء : سألته اليهود أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا ، قاله وغيره. السدي،
وتقدم معنى فقالوا أرنا الله جهرة ، ورفع الطور.
ومعنى بميثاقهم بما أعطوه من الميثاق ليعملن بما في التوراة.
فبما نقضهم ميثاقهم أي: [فبنقضهم ميثاقهم، و (ما) : مؤكدة، والباء: متعلقة بمحذوف، التقدير]: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، عن وغيره. قتادة،
: هو متعلق بما قبله; والمعنى: فأخذتهم الصاعقة [بظلمهم، إلى قوله: الكسائي فبما نقضهم ميثاقهم ، قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة] من أجله بما بعده; من نقضهم ميثاقهم، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بين من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم، وأنكر ذلك وغيره; لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد الطبري موسى، والذين قتلوا الأنبياء، ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان ، وهذا لا يلزم; لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم، على ما قدمناه في غير هذا الموضع.
[ ص: 376 ] : المعنى : فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. الزجاج
وقيل : المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، وفعلهم كذا، وفعلهم كذا; طبع الله
على قلوبهم.
وكرر قوله: (وبكفرهم) ; ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر.
وقيل : المعنى: وبكفرهم بالمسيح، فحذف; لدلالة ما بعده عليه، والعامل في (بكفرهم) : هو العامل في (بنقضهم) ; لأنه معطوف عليه، ويجوز أن يكون العامل فيه (طبع) .
ولكن شبه لهم أي : ألقي شبهه على غيره ، وقيل : لم يكونوا يعرفون شخصه، وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه، كما قال : وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، والإخبار : قيل: إنه عن جميعهم، وقيل: لم يختلف فيه إلا عوامهم، : معنى اختلافهم فيه: قول بعضهم: إنه إله، [وبعضهم: هو ابن الله ، تعالى الله] . الحسن
وما قتلوه يقينا : قال ، ابن عباس : المعنى: ما قتلوا ظنهم يقينا; [ ص: 377 ] فهو كقولك : (قتلته علما) ; إذا علمته علما تاما. والسدي
وقيل : المعنى: وما قتلوا علمهم يقينا.
وقيل: المعنى: وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا، [فالوقف على هذه الأقوال على قوله: (يقينا) .
وقيل: إن المعنى: وما قتلوا عيسى]، والوقف على (وما قتلوه) ، و (يقينا) : نعت لمصدر محذوف; أي: قالوا هذا قولا يقينا، النحاس: إن قدرت المعنى: (بل رفعه الله إليه يقينا) ; فهو خطأ; لأنه لا يعمل ما بعد (بل) فيما قبلها; لضعفها.
وأجاز الوقف على قوله: (وما قتلوه) ، على أن ينصب (يقينا) بفعل مضمر هو جواب القسم، تقديره: ولقد صدقتم يقينا; أي: صدقا يقينا ، ويكون ابن الأنباري بل رفعه الله إليه مستأنفا.
[ ص: 378 ] وقوله: بل رفعه الله إليه أي : إلى سمائه.
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به : قال ، ابن عباس والحسن، ، وغيرهم: المعنى: ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي. ومجاهد
وقيل: إن الهاءين جميعا لعيسى; والمعنى: ليؤمنن به من كان حيا حين
نزوله، وقبل يوم القيامة ، قاله قتادة، ، وغيرهما. وابن زيد
وفي الآية على مذهب حذف موصوف; التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته، وفيها على مذهب الكوفيين: حذف موصول; التقدير : وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، وفيه قبح; لأن الصلة كبعض الموصول، فكأنه حذف بعض الاسم. سيبويه:
ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أي: بأنه بلغ، ويشهد لمن صدقه بالتصديق، وعلى من كذبه بالتكذيب.
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ; قدم (فبظلم) ; إذ هو الغرض الذي قصد إلى الإخبار عنه بأنه سبب التحريم.
الزجاج : هذا بدل من قوله: فبما نقضهم ميثاقهم .
[ ص: 379 ] و (الطيبات) : ما قصه الله في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر .
و (الظلم) : هو نقضهم الميثاق، وكفرهم بآيات الله، وما ذكر قبل هذا وبعده.
لكن الراسخون في العلم الآية: الراسخون في العلم : الثابتون فيه.
والمقيمين الصلاة : مذكور في الإعراب.
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح : هذا متصل بقوله: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فأعلم الله ـ تعالى ـ أن أمر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأمر من تقدمه من الأنبياء، وفي عطف بعض الأنبياء على بعض تقديم المتأخر على المتقدم; لأن الواو لا توجب الترتيب.
وكلم الله موسى تكليما : أكده بالمصدر; ليدل على أنه تولى تكليمه بنفسه عز وجل.
لكن الله يشهد بما أنـزل إليك : هذا محمول على المعنى; لأن (لكن) لا تقع إلا بعد نفي، فلما كانوا قد كذبوا; صاروا قد نفوا، وأيضا: فإن بعدها هنا جملة، فوقوعها بعد الإيجاب جائز، وإنما لا تقع (لكن) إلا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد.
[ ص: 380 ] أنـزله بعلمه أي: وفيه علمه، وقيل: أنزله وهو يعلم أنك أهل لإنزاله عليك.
والملائكة يشهدون : ذكر شهادة الملائكة; ليقابل بها شهادة الآدميين.
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم أي: لا تتجاوزوا فيه حد الحق; ويعني بذلك - فيما ذكره المفسرون-: عيسى ـ عليه السلام ـ حتى قذفوا غلو اليهود في مريم، و النصارى فيه، حتى جعلوه ربا. غلو
وقوله: وروح منه : سمي (روحا) ; بسبب نفخة جبريل عليه السلام، فسمي النفخ روحا; لأنه ريح يخرج من روح.
وقيل: سمي روحا; لأنه كان بإحياء الله إياه، وقوله: (كن) ; فالمعنى:
وحياة منه.
وقيل : معنى : (روح) رحمة، قال : معنى (وروح منه) : أن الله لما أخرج ذرية أبي بن كعب آدم من ظهره، وجعلهم أرواحا; كان روح عيسى في تلك الأرواح، فأرسل إلى مريم، فدخل فيها، فحملت.
[ ص: 381 ] وقيل: إن قوله: وروح منه معطوف على المضمر الذي هو اسم الله ـ تعالى ـ في ألقها ، و (الروح) : جبريل; فكان التقدير: ألقى الله وجبريل الكلمة إلى مريم.
وقيل: إن معنى وروح منه : وبرهان منه، سمي روحا; لأنه يحيا به من قبله .
ولا تقولوا ثلاثة أي: لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، عن الزجاج.
غيره: لا تقولوا: الله ثلاثة، كما النصارى: أب، وابن، وروح القدس. قالت
لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون : استدل من يرى أن الملائكة أفضل من الآدميين بهذه الآية، ومعنى (لن يستنكف) : لن يأنف من أن يكون عبدا لله ، ومعنى (المقربين) : المقربون من رحمة الله ورضاه.
وقوله: وأنـزلنا إليكم نورا مبينا يعني: القرآن، عن الحسن، وغيرهما. وقتادة،
و (البرهان) ههنا: النبي صلى الله عليه وسلم، عن الثوري، : (البرهان) هنا: الحجة. مجاهد
[ ص: 382 ] وقوله: إن امرؤ هلك ليس له ولد أي : ليس له ولد ولا والد; لأنه لا يكون كلالة إلا إذا لم يترك ولدا ولا والدا، ودل على هذا المحذوف ذكر الكلالة.
وله أخت يعني: من أبيه وأمه، وقد تقدم ذكر أحكامها.
يبين الله لكم أن تضلوا أي: كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف . ، الكسائي لئلا تضلوا، فحذفت (لا) . وأبو عبيد:
وقيل : المعنى: يبين الله لكم الضلال; لتجتنبوه; فـ (أن) والفعل مصدر.