الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأن تقوموا لليتامى بالقسط أي: وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط) ، وأفتاهم في ذلك بقوله: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 358 ] وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا : قد تقدم ذكر (النشوز) ، وذكر الإعراض بعد (النشوز) ، على أن (النشوز) : البغض، و (الإعراض) : الموجدة من غير بغض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض : تكريره لفوائد; وذلك أنه أمر قبل الموضع الأول بطاعته، ونبه على ملكه وسعته، ثم قال: من سعة ملكه أن له ما في السماوات وما في الأرض; فواجب أن يطاع، ويرغب فيما عنده، ونبه في الثاني على احتياج خلقه إليه ، وغناه عنهم; لأنه قال قبله: وإن تكفروا أي: وإن تكفروا فإنه غني عنكم; لأن له ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم قبل الثالث بحفظ خلقه، وتدبيره إياهم بقوله: وكفى بالله وكيلا ; لأن له ما في السماوات وما في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال: (ما في السماوات) ، ولم يقل (من في السماوات) ; لأنه ذهب به

                                                                                                                                                                                                                                      مذهب الجنس، وفي السماوات والأرض من يعقل، وفيهن ما لا يعقل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن يشأ يذهبكم أيها الناس مردود إلى قوله: وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 359 ] من كان يريد ثواب الدنيا الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      نزل ذلك في منكري البعث الذين يتقربون إلى الله ـ عز وجل ـ ليوسع عليهم في الرزق، ويدفع عنهم المكروه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزل في المنافقين الذين يدفعون بما يظهرونه ضرر الدنيا، ويستجلبون منفعتها.

                                                                                                                                                                                                                                      فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي: فينبغي أن يطلب منه الثوابان جميعا، وقيل: المعنى: فالله يعطيه ثواب الدنيا بالانتفاع، وثواب الآخرة بالعقاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الله سميعا بصيرا أي: يسمع ما يقولونه، ويبصر ما يسرونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله روي: أنها نزلت بسبب قصة طعمة; فأمر المسلمون أن يعدلوا ولو على أنفسهم وأقربائهم، وشهادة الإنسان على نفسه: إقراره بالحق يكون قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما أي : إن يكن المشهود عليه غنيا; فلا يمنعكم غناه من أن تشهدوا عليه، وإن يكن فقيرا; فلا يمنعكم فقره من أن تشهدوا له.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي: كراهة أن تعدلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 360 ] وإن تلووا أو تعرضوا : قال ابن عباس : هذا في لي القاضي لأحد الخصمين، وإعراضه عن الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، وقتادة، وغيرهما: هو في الشهود; فالمعنى: لا تبدلوا، ولا تتركوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى (تلووا) : مطل الغريم، ومنه: لي الواجد ظلم . وقيل : معناه : تدفعوا بالشهادة، كما يدفع الغريم بالمطل.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (تلوا) بواو واحدة; جاز أن يكون أصلها: (تلووا) ; فقلبت الواو الأولى همزة; لانضمامها، وألقيت حركة الهمزة على اللام، وحذفت الهمزة، وجاز أن يكون المعنى: (وإن تلوا أمور الناس أو تتركوا) .

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله : يجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين، والمعنى: اثبتوا على الإيمان، ويجوز أن يكون لمن آمن بمن تقدم محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 361 ] وقوله: إن الذين آمنوا ثم كفروا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : هي في اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة، ثم كفرت بالإنجيل، ثم آمنت بعزير، ثم كفرت بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ، وآمنت النصارى بالإنجيل، ثم كفرت به; لتركهم إياه، ثم كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ازدادوا كفرا بالقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، وابن زيد : هي في المنافقين، آمنوا، ثم ارتدوا، ثم آمنوا، ثم

                                                                                                                                                                                                                                      ارتدوا، ثم ازدادوا كفرا بموتهم على كفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : هي في طائفة من أهل الكتاب، قصدت لتشكيك أهل الإيمان، وهم الذين قال فيهم: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إن الذين آمنوا بموسى، ثم كفروا به، ثم آمنوا بعيسى، ثم كفروا به، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بموسى وعيسى: بتبديلهم ما جاءا به.

                                                                                                                                                                                                                                      أيبتغون عندهم العزة أي : أيبتغي المنافقون عند الكافرين المنعة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 362 ] وأصل (العزة) : الشدة; من قولهم: (أرض عزاز) ; أي: صلبة.

                                                                                                                                                                                                                                      الذين يتربصون بكم : هذا في المنافقين.

                                                                                                                                                                                                                                      ألم نكن معكم أي: أعطونا من الغنيمة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قولهم للكافرين: ألم نستحوذ عليكم أي: ألم نستول عليكم بموالاتنا إياكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ونمنعكم من المؤمنين : بتخذيلنا إياهم عنكم، وتعريفنا إياكم بما يريدونه منكم، وأصل (الاستحواذ) : الحوط، (حاذه يحوذه حوذا) ; إذا حاطه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا : قال علي رضي الله عنه: ذلك في الآخرة، السدي: (السبيل) : الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى : (الكسل) : التثاقل عن الشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يذكرون الله إلا قليلا : قال الحسن : قل; لأنه لغير الله، وقيل: معناه : لا يذكرونه إلا ذكرا يسيرا، كالتكبير وشبهه مما يظهرونه، ولا يصلون.

                                                                                                                                                                                                                                      مذبذبين بين ذلك : قال قتادة: ليسوا مخلصين بالإيمان، ولا مصرحين بالكفر، وأصل (التذبذب) : الاضطراب، والتحرك.

                                                                                                                                                                                                                                      أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا يعني: حجة بينة.

                                                                                                                                                                                                                                      إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار : (الأدراك) في اللغة: المنازل [ ص: 363 ] والطبقات، وأصله : من اللحوق; فـ (الدرك) : ما يلحق من الطبقة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : المعنى : في أسفل النار.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود : يجعلون في توابيت من حديد، ثم تغلق عليهم، وعنه أيضا: توابيت من نار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما يفعل الله بعذابكم الآية، لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه التقرير.

                                                                                                                                                                                                                                      والشكر من الخلق: الاعتراف للمنعم بالنعمة، والشكر من الله ـ تعالى ـ لخلقه: مجازاته إياهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية