الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      المعنى: فكيف يكون حالهم حينئذ؟ وشهادة الرسل على الأمم بالتبليغ، وقيل: بأعمالهم، وفي الكلام معنى التوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لو تسوى بهم الأرض : [أي: لو انفتحت لهم الأرض، فساخوا فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : المعنى: تسوى عليهم]، فـ (الباء) عنده بمعنى (على) ، وقيل:

                                                                                                                                                                                                                                      المعنى : يودون لو كانوا ترابا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يكتمون الله حديثا : سئل ابن عباس عن هذه الآية، وعن قوله: والله ربنا ما كنا مشركين ، [فقال: لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام؟ قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين]; فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم; فلا يكتمون الله حديثا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 268 ] الحسن ، وقتادة : الآخرة مواطن، يكون هذا في بعضها، وهذا في بعضها، وقيل: هو داخل في التمني حين نطقت جوارحهم، روي معناه عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو مستأنف، والمعنى: لا يكتمون الله حديثا وإن لم ينطقوا بحديثهم; لعلمه به; فلم يعتد بكتمانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنهم - في قولهم : والله ربنا ما كنا مشركين- صادقون عند أنفسهم; فقوله: ولا يكتمون الله حديثا ، على هذا مستأنف أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى انظر كيف كذبوا على أنفسهم ، على هذا: انظر كيف أوجبوا العذاب على أنفسهم بمثل حال الكاذب في الإقرار، وإنما تمنوا لو تسوى بهم الأرض حين رأوا البهائم تصير ترابا، وعلموا أنهم مخلدون في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنتم سكارى : (السكر) : مأخوذ من السكر; وهو سد مجرى الماء; فـ (السكر) : انسداد طرق التمييز.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الغائط) : المطمئن من الأرض، كني به عن الحدث; لأنهم كانوا يخرجون إليه; لذلك يقال: غائط، وغيطان، وغوط.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 269 ] وأصل (الصعيد) : ما يصعد على الأرض من ترابها، وقد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة يعني: قوما من أهل الكتاب، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      ويريدون أن تضلوا السبيل : أن تضلوا طريق الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      والله أعلم بأعدائكم أي: فهو يكفيكموهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكفى بالله وليا : دخول الباء على معنى: اكتفوا بالله وليا.

                                                                                                                                                                                                                                      وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا قيل: إن (من) متعلقة بما قبلها; فلا يوقف على قوله : "نصيرا".

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو متصل بقوله: أوتوا نصيبا من الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم; فيحسن على هذا

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الوقف على ما قبله، والابتداء به، وهذا مذهب سيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : المحذوف (من) ، المعنى: (من الذين هادوا من يحرفون) ، وأنكره [ ص: 270 ] المبرد، والزجاج; لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واسمع غير مسمع : قال ابن عباس : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع لا سمعت.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن ، ومجاهد : المعنى: غير مقبول منك، وتقدم القول في"راعنا" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليا بألسنتهم أي : يلوون ألسنتهم عن الحق ليا، وأصل (اللي) : الفتل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لكان خيرا لهم وأقوم أي: أصوب في الرأي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلا يؤمنون إلا قليلا أي: إلا إيمانا قليلا، لا يستحقون به اسم الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه: لا يؤمنون إلا قليلا منهم، وهذا بعيد; لأنه قد أخبر عنهم

                                                                                                                                                                                                                                      أنه لعنهم بكفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها : قال ابن عباس ، وقتادة: أي: نمحو آثارها حتى تصير كالأقفاء، ونجعل عيونها في أقفائها; فتمشي القهقرى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 271 ] الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما: هو تمثيل، والمعنى: نطمسها عن الهدى; فنردها في ضلالتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه: نصيرها منابت للشعر; كوجوه القردة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : نطمس وجوههم التي هم فيها، ونردهم إلى الشام. و (الطمس) في اللغة: عفو الأثر.

                                                                                                                                                                                                                                      أو نلعنهم أي: أصحاب الوجوه كما لعنا أصحاب السبت : بمسخهم قردة، عن الحسن، وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو خروج من الخطاب إلى الغيبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان أمر الله مفعولا أي: كائنا موجودا، ويراد بـ (الأمر) : المأمور، فهو مصدر وقع موقع المفعول، والمعنى: أنه متى أراده أوجده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه: أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به.

                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم يعني: اليهود والنصارى، حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أنهم قدموا الغلمان يصلون بهم، وقالوا: لا ذنوب عليهم، فنزلت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : قالوا: إن من توفي من آبائهم قربة لهم عند الله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] ابن مسعود : كان بعضهم يزكي بعضا; لينال حالا من أحوال الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يظلمون فتيلا : (الفتيل) : الذي يكون في شق النواة، عن مجاهد، وقتادة، وغيرهما، وعن ابن عباس نحوه، وعنه أيضا: ما فتلته بين أصابعك من الوسخ، وهو (فعيل) بمعنى: (مفعول) ، والمعنى: مقدار فتيل.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى يفترون على الله الكذب : يختلقونه; يعني: تزكيتهم لأنفسهم، عن ابن جريج، وروي: أنهم قالوا: ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أبنائنا يوم يولدون.

                                                                                                                                                                                                                                      وكفى به إثما مبينا : تعظيما لذمه، والعرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يؤمنون بالجبت والطاغوت : قال عمر رضي الله عنه : (الجبت) : السحر، "والطاغوت": الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : (الجبت) الشيطان، "والطاغوت" : الكاهن.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود : الجبت والطاغوت ههنا: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هما كل معبود من دون الله ، أو مطاع في معصية الله.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك بن أنس: (الطاغوت) : ما عبد من دون الله، قال: وسمعت من يقول: إن (الجبت) : هو الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 273 ] قطرب : أصل (الجبت) : الجبس ، وهو من الرجال : الذي لا خير فيه ولا عنده ، فأبدلت التاء من السين.

                                                                                                                                                                                                                                      والقائلون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا هم اليهود، قالوه لكفار قريش، عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلن تجد له نصيرا يعني: من أهل الحق، وقيل: لن تجد له نصيرا من عذاب الله.

                                                                                                                                                                                                                                      أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا : "أم" : منقطعة، والمعنى : (بل ألهم نصيب ؟) ، وقيل : هي عاطفة على محذوف، [والمعنى: أهم بالنبوة أولى أم من أرسلنا ؟ أم لهم نصيب من الملك ؟]، والمعنى: ليس لهم حظ من الملك، ولو كان لهم منه حظ لم يعطوا الناس منه نقيرا; لبخلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (النقير) : النقطة في ظهر النواة ، عن ابن عباس ، وقتادة، وغيرهما. مجاهد : هو الحبة التي في بطن النواة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: (النقير) : ما نقر الرجل بإصبعه، كما ينقر الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية