الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الثامن

        المنفعة المشتركة

        بالنسبة للمنفعة المشتركة بين الموصى لهم في حال تعددهم، أو بينهم وبين الورثة في حالة الوصية ببعض المنفعة، أو منفعة بعض العين، فإن هناك لاستيفائها طرقا:

        الأول: الانتفاع المشترك، أو الاستغلال المشترك بأن يسكنوا الدار جميعا، أو يحرثوا الأرض كذلك، أو يكروهما ويتقاسموا الكراء مثلا ، فإذا كانت الوصية بثمار الأشجار، يقسمون الثمار بعد قطفها أو يبيعونها بعد بدو صلاحها، ويقتسمون الثمن، وهكذا.

        الثاني: اقتسام المنافع على طريق المهايأة المكانية: بأن تقسم العين الموصى بمنفعتها إذا كانت تقبل القسمة دون ضرر، كأرض يحرث أحدهما جزءا، ويحرث الآخر الجزء الآخر، أو دار يسكن أحدهما بيتا والآخر بيتا، أو أحدهما الأسفل، والآخر الأعلى.

        سواء تساوت الحصص، أو اختلفت، وسواء اتفقا على أن يتبادلا ما بيد كل واحد منهما بعد مدة أم لا، بشرط تحديد مدة الانتفاع، طالت أو قصرت، فإن لم تحدد مدة الانتفاع لم تجز، للجهل بالمدة.

        وقال ابن الحاجب: تصح ولا تلزم، ولكل منهما الرجوع متى شاء، [ ص: 110 ] بخلاف ما لو حددت المدة، فإنها تلزم ولا رجوع لأحدها قبل تمام المدة ، كالإجارة.

        الثالث: المهايأة الزمانية بأن ينتفع أحد الشركاء بالعين مدة، ثم يسلمها للآخر ينتفع بها مدة أخرى، مثل الأولى، أو أقل، أو أكثر ولا يشترط قسمتها بقدر الحصص; لأنها معاوضة يجوز فيها التفاضل، وإنما يشترط في ذلك أربعة شروط:

        أ - رضاهما بالقسمة، فإن أبى أحدهما لم يجبر عليها ; لعموم قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، والقسمة بيع يشترط فيه من الرضا وغيره.

        ب - أن تكون المدة معلومة المقدار، كسنة، أو شهر، وإلا منعت للجهل والغرر.

        ج - أن لا تزيد المدة في حيوان على شهر، نص عليه المالكية ، وإلا منعت لما يلزم في ذلك من كراء معين يتأخر قبضه أكثر من شهر، وهو لا يجوز في الحيوان لسرعة تغيره، بخلاف الدور والأرض المأمونة الري، فإنه يجوز فيهما أن تكون المدة سنين، بحيث يسكن أحدهما الدار سنة، أو عشر سنوات، ثم يسكنها الآخر مثل ذلك أو أقل أو أكثر، ومثل ذلك في الأرض مأمونة الري.

        والفرق: أن العقار مأمون بخلاف الحيوان، فإنه يخشى عليه التلف في المدة الطويلة، فيدخله الغرر، ولذلك لا تجوز المهايأة الزمانية في الأرض غير المأمونة الري; لاحتمال أن تسقى في مدة أحدهما ، دون الآخر.

        [ ص: 111 ] د - أن تكون المنفعة المقسومة منافع محضة، مثل السكنى والركوب ، والخدمة، واللبس، والاستعمال.

        وأما الغلة ففيها تفصيل: فإن كانت ثمار أشجار وبستان، أو كراء غير منضبط، فإنه لا يجوز قسمتها مهايأة مطلقا، فلا يجوز أن يأخذ الآخر ثمار السنة التي بعدها، أو يأخذ أحدهما مداخيل هذا الشهر، ويأخذ الآخر مداخيل وأكرية الشهر القادم; لما في ذلك من الجهل والغرر.

        فإذا كانت منضبطة جاز اقتسام الأكرية، بأن يأخد أحدهما كراء شهر، ويأخذ الآخر كراء الشهر الموالي له، إلا أنه يلاحظ في الأكرية المنضبطة أنه يجب أن يأخذ أحدهما قدر نصيبه، فإن اقتسما على أن يأخذ أحدهما أكثر من نصيبه ، كأن يأخد أحدهما كراء شهر ليأخد الآخر كراء شهرين بعده لم يجز ذلك ; لما يلزم على ذلك من سلف جر نفعا.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية