المسألة الثانية: انعقاد الإيجاب بالقول:
يتفق الفقهاء على ، كانت الدلالة عليها بالوضع، أو بالقرينة. انعقاد الإيجاب بالقول الدال عليها
قال : "هي كل لفظ مفهم قصد الوصية بالوضع، أو القرينة، نحو: أوصيت، وأعطوه، أو جعلته له، أو هو له، إذا فهمت الوصية بذلك". ابن شاس
عند تحمل الشهادة من الوصية، أو الوعد بها، أو تبتيل العطية، وإن لم يفهموا شيئا من ذلك فالعمل على القرائن اللفظية. فإن كان اللفظ محتملا للوصية وغيرها فالمعتبر ما فهمه الشهود
وعند الحنفية : الصيغة أن يقول: أوصيت لفلان بكذا، أو جعلت لفلان ثلث مالي بعد موتي، ونحو ذلك من الألفاظ المستعملة في الوصية، ويقسمونها إلى صريح وكناية.
وقسم الشافعية الإيجاب: إلى صريح، وكناية.
فالصريح: لا يحتاج إلى نية، والكناية تحتاج إليها.
[ ص: 212 ] فالصيغة الصريحة عندهم: ما كان الإشعار بها فيه قويا، سواء كان بالوضع، أو بالقرينة، مثل: أوصيت، ووصيت وما اشتق منهما، وإن لم يقل: بعد موتي، وادفعوا له أو أعطوه، أو جعلته له، أو وهبته له، أو تصدقت به عليه، أو ملكته له، أو هو له، إذا قال في جميع ذلك: بعد موتي، أو إن قضى الله علي، ونحو ذلك.
فإن اقتصر على قوله: أعطوه، أو ادفعوا له، ولم يزد: بعد موتي، كان توكيلا على العطاء، ينقطع بالموت ونحوه من كل ما تبطل به الوكالة، ولا شيء للمأمور له بالعطاء بعد موت الآمر; لأنها وكالة بطلت.
وإن اقتصر على قوله: وهبته له، أو تصدقت، أو ملكت ولم يزد: بعد موتي، أو عيني، أو إن قضى الله علي فهي عطية ناجزة، ولو وقع ذلك جوابا لقول من قال له: أوص لفلان.
أما إن اقتصر على قوله: هو لفلان فإنه يعتبر إقرارا لا وصية، إلا أن يقول: هو له من مالي، فيكون كناية عن الوصية; لتعذر حمله على الإقرار حينئذ؛ نظرا لقوله: من مالي، فلم يبق إلا حمله على الوصية، أو الهبة الناجزة; لاحتمال اللفظ لهما، فلا يحمل على الوصية إلا بنية، فإذا علمت نيته فذاك وإلا بطل.
والكناية عندهم: ما احتمل الوصية وغيرها.
مثل: قوله: عينت له هذا، أو هذا له، أو ثلث مالي للفقراء، على الراجح عندهم.
ولا بد من الاعتراف بالنية نطقا من الموصي أو وارثه.
وعند الحنابلة : يشترط في الصيغة أن تدل على معنى الوصية، مثل:
[ ص: 213 ] وصيت وأوصيت، وأعطوه من مالي بعد موتي كذا، أو جعلته له بعد موتي، أو هو له بعد موتي، ونحو ذلك مما يؤدي معنى الوصية.
في كشاف القناع: "(وتنعقد الوصية بقوله: وصيت لك) بكذا (أو) وصيت (لزيد بكذا، أو أعطوه من مالي بعد موتي كذا، أو ادفعوه إليه) بعد موتي، (أو جعلته له) بعد موتي، (أو هو له بعد موتي، أو هو له من مالي بعد موتي، ونحو ذلك مما يؤدي معناها، كملكته له بعد موتي".
وفي الإنصاف: "وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة، كقوله: حلفت بالله رفعا أو نصبا، والله باصوم وباصلي ونحوه، وكقول الكافر: أشهد أن محمد رسول الله برفع الأول ونصب الثاني، وأوصيت لزيدا بمائة، وأعتقت سالم، ونحو ذلك، وهو الصواب".
وقال أيضا: "من رام جعل جميع الناس في لفظ واحد بحسب عادة قوم بعينهم، فقد رام ما لا يمكن عقلا، ولا يصلح شرعا".
وقال شيخ الإسلام : "إن أسماء العقود وردت في الكتاب والسنة معلقا بها أحكام شرعية، ولا بد لكل اسم حد يعرف به؛ إما باللغة، كالشمس والقمر والبر والبحر، وإما بالشرع، كالمؤمن والكافر والمنافق، وما لم يكن له حد في اللغة ولا في الشرع: فالمرجع فيه إلى عرف الناس، كالقبض، ومعلوم أن البيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدا، وليس لها حد في لغة العرف أيضا، وبما أن الأمر كذلك، فيكون المرجع فيها إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سموه بيعا فهو بيع، وما سموه هبة فهو هبة".
[ ص: 214 ]