الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        القسم الثاني: الوصية المستحبة :

        عند الحنفية : أن الوصية بأقل من الثلث أولى من تركها إذا كانت الورثة أغنياء، أو يستغنون بنصيبهم; لأنه تردد بين الصدقة على الأجنبي، والهبة للقريب، والأولى أولى; لأنه يبتغي بها رضا الله تعالى، وقيل: يخير، وإن كان الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى; لأن ترك الوصية صدقة على القريب بقدر الوصية، والوصية تصدق على الأجنبي، والأول أولى".

        (23) لما رواه مسلم من طريق عمرو بن الحارث ، عن زينب امرأة عبد الله : وفيه: "...قالت: فخرج علينا بلال ، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة" .

        [ ص: 111 ] والوصية المستحبة عند المالكية : كما قال اللخمي : "ما كانت بما فيه قربة لا يضر بالوارث; لكثرة المال، ويظن فيها من الثواب أكثر من ثواب ترك المال للوارث".

        وعند الشافعية : الوصية المستحبة هي ما استوفت الشرائط، ولم تكن واجبة، ولا محرمة، ولا مكروهة، كالوصية لغير الوارث المستقيم، والوصية للفقراء والمساكين، ونحو ذلك.

        وعند الحنابلة : الوصية المستحبة: هي الوصية لمن ترك خيرا (وهو) أي: الخير (المال الكثير عرفا) فلا يتقدر بشيء; لأنه لا نص في تقديره (بخمسه) أي: ماله لقريب فقير لا يرث; لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون بقوله: "لا وصية لوارث".

        وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم، وأقل ذلك الاستحباب، ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل، فكذا بعد الموت (وإلا) يكن له قريب فقير وترك خيرا، (ف) المستحب أن يوصي (لمسكين وعالم) فقير (ودين) فقير وابن سبيل وغاز.

        والأقرب: أن يقال: تستحب الوصية لمن ترك خيرا كثيرا، وهو المال عرفا; لقوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين

        (24) ولما رواه عبد الرزاق من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه قال: [ ص: 112 ] دخل علي على مولى لهم في الموت، فقال: يا علي ! ألا أوصي؟ فقال علي : لا، إنما قال الله تبارك وتعالى: إن ترك خيرا وليس لك كثير مال، قال: وكان له سبعمائة درهم" .

        (25) روى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن شريك ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لها رجل: إني أريد أن أوصي، قالت: [ ص: 113 ] كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: فكم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: فإن الله يقول: إن ترك خيرا وإنه شيء يسير، فدعه لعيالك فإنه أفضل .

        [سنده صحيح].

        ويبدأ بأقاربه للآية، ثم ما كان أنفع وأصلح من طرق الخير والبر، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.

        وأما قدر ما يستحب أن يوصى به فسيأتي بيانه قريبا.

        (29) روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق الحكم بن أبان ، حدثني عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما: " إن ترك خيرا قال: من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا" .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية