الشرط الرابع والعشرون: أن لا يكون الوالد قد نوى بها الصدقة.
فإن نوى بها الصدقة فلا رجوع له على الولد.
وإليه ذهب مالك، والشافعية في مقابل الأصح، والحنابلة في قول، جعله بعضهم هو المذهب.
قال "الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن، أو كان في حجر أبيه، فأشهد له على صدقته، فليس له أن يعتصر شيئا من ذلك". مالك:
وفي الحاوي: "فأما إذا تصدق الأب على ولده، فقد اختلف أصحابنا هل يجوز له الرجوع فيها أم لا؟ على وجهين: أحدهما: لا يجوز". [ ص: 172 ]
وفي الإنصاف: ". . . وقال في الإرشاد: لا يجوز بحال، وقدمه الرجوع في الصدقة الحارثي، وقال: هذا المذهب.
واحتج لهذا القول بما يلي:
1- حديث -رضي الله عنه- حين سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شراء الفرس التي حمل عليها في سبيل الله، فقال: عمر لأنه أخرجها لله، فلا يجوز رجوعه فيها. "لا تشتره، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه";
فإذا كان قد نهاه عن شراء صدقته، فبأن لا يكون له أن يأخذها بغير عوض من باب أولى.
ونوقش: بالتسليم بعدم جواز الرجوع فيما سبيله الصدقة، إلا أنه يستثنى منه الوالد; لعموم الحديث " . . . إلا الوالد".
2- ولقول -رضي الله عنه-: "من وهب هبة، وأراد بها صلة الرحم، أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع". عمر
ونوقش: بأن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدم عليه، ثم إن الحديث خاص في رجوع الوالد، وأثر عام، فيجب تقديم الخاص. عمر
3- واعتبارا بحكم سائر الصدقات، فإنه لا يرجع فيها، كذا هذه.
4- ولأن القصد بالصدقة طلب الثواب، وإصلاح حاله مع الله عز [ ص: 173 ] وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه في ذلك، والقصد بالهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح في استرجاعه فجاز له الرجوع.
القول الثاني: أن له الرجوع.
ذهب إليه الشافعية في الأصح، والحنابلة في المذهب، والظاهرية.
قال ". . . والوجه الثاني: يجوز". الماوردي:
وفي الإنصاف: "... حكم الصدقة حكم الهبة فيما تقدم على الصحيح من المذهب".
واحتج لهذا القول بما يلي:
1- حديث -رضي الله عنهما- فإنه قال: النعمان بن بشير "تصدق علي أبي بصدقة ... وقال: فرجع أبي، فرد تلك الصدقة".
قالوا: وهذا نص.
ونوقش: بأن أكثر الروايات ليس فيها لفظ الصدقة، ولو فرض صحة هذه اللفظة، فليست بقاطعة في نية بشير، فقد يكون هذا فهم من هبة والده. [ ص: 174 ] النعمان
2- عموم حديث -رضي الله عنهما- وفيه قول النبي: ابن عباس "إلا الوالد فيما يعطي ولده".
ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا عام، خص منه ما كان سبيله الصدقة بالإجماع على عدم الرجوع في الصدقة المقبوضة.
3- وتغلبا لحكم الهبات.
الترجيح:
الذي يترجح -والله أعلم- أن له الرجوع ولو نوى الصدقة; لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهم. وابن عمر
الشرط الخامس والعشرون: تغير العين بفعل الموهوب له.
إذا عمل الموهب في العين الموهوبة عملا غير به صفتها، كما لو قصر القماش، أو فصله، فهل يكون للوالد الواهب الرجوع فيما وهب؟
ذهب المالكية، إلى أنه لا رجوع له. وابن حزم:
ففي المنتقى: "إذا جعل الدراهم والدنانير حلية فليس له الاعتصار".
وفي المحلى: "فإن تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط عنها الاسم، فلا رجوع".
واحتج المالكية: بأن هذا تغير في الهبة فمنع الرجوع; كالزيادة والنقصان فيها. [ ص: 175 ]
أما فاحتج بأنها إذا تغيرت، فهي غير ما جعل له الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرجوع فيها. ابن حزم:
أما الحنابلة، والشافعية: فكلامهم لا يخلو من تفصيل:
أما الحنابلة فقالوا: إن لم تزد القيمة فإن له الرجوع.
إما إذا زادت فإن هذه زيادة متصلة، فينبني على الروايتين في الزيادة المتصلة، كالسمن، وثمر النخيل.
قال "ويحتمل أن تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال; لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله، بخلاف السمن فإنه يحتمل أن يكون للأب، فلا يمنع الرجوع; لأنه نماء العين، فيكون تابعا لها". ابن قدامة:
أما الشافعية: فالحكم عندهم يختلف بنوع التغير الذي حصل في العين.
قال النووي: ". . . ولو كان الموهوب ثوبا فصبغه الابن رجع الأب في الثوب، والابن شريك بالصبغ، ولو قصره، أو كانت حنطة فطحنها، أو غزلا فنسجه، فإن لم تزد قيمته رجع ولا شيء للابن، وإن زادت: فإن قلنا: القصارة عين، فالابن شريك، وإن قلنا: أثر، فلا شيء له".
الترجيح:
والذي يظهر رجحانه: هو القول بالرجوع مطلقا ما دامت العين باقية لم تستهلك مع شراكة الابن للأب بما عمله إن زادت القيمة، أو إعطاؤه قدر ما أنفق في العمل الذي غير به صفة العين إن لم تزد به القيمة؛ دفعا للتغرير. [ ص: 176 ]