الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الشرط الثامن: أن لا تنقص الهبة.

        صورة ذلك: أن يهب شخص لولده شيئا من الأشياء فينقص ذلك [ ص: 135 ] الشيء; كأن يهب له برا فيأكل بعضه، أو دارا فيتهدم بعضها، أو شاة فتهزل، ونحو ذلك، فهل يمنع ذلك الأب من الرجوع؟.

        اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

        القول الأول: أن ذلك لا يمنع رجوع الأب.

        وبه قال جمهور العلماء: الحنفية، ومطرف وابن الماجشون من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

        وحجته:

        1- عموم أدلة جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده.

        2- أن الوالد له أن يرجع في بعض ما وهب للموهوب له، مع بقائه بكماله، فكذلك إذا نقص.

        3- أن العين إذا تلفت تلفت على مالك الهبة، فكذلك إذا نقصت، وإذا كان الأمر كذلك، فإن نقصها لا يمنع الرجوع فيها لبقائها على ملكه.

        4- أن النقص ضرره على الأب (الواهب) وليس على الولد، فلا يمنع الأب من الفسخ; لكونه بعوده قد تحمل الضرر المترتب، ورضي به.

        القول الثاني: أن ذلك يمنع من الرجوع، سواء كان ذلك معنويا كنسيان صنعة، أو حسيا كهزال السمين. [ ص: 136 ]

        وهذا المشهور من مذهب المالكية.

        وحجة ذلك:

        1- أن تغير حال ذمة المعطى يقطع الاعتصار، فلأن يمنعه تغير الهبة في نفسها أولى وأحرى.

        ونوقش: بالفرق بين المقيس والمقيس عليه، فإن تغير الذمة إنما كان مانعا من الفسخ; لأن العين ينتقل ملكها إلى غير الولد، فلا تكون للأب عليها سلطة، أما في حال النقص فإن العين باقية على ملك الولد، فلا يقطع ذلك سلطة الوالد عليها.

        2- أن النقص تغير في الموهوب، والتغير فيه بالنقص يمنع الرجوع فيه كالزيادة المتصلة.

        ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; إذ في صورة الزيادة المتصلة حصل شيء جديد في ملك الموهوب له، بخلاف النقص فإنه لم يحصل به شيء زائد.

        الترجيح:

        يترجح -والله أعلم- ما ذهب إليه الجمهور; لعموم أدلة جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده، والإجابة عما علل به القائلون بمنع الأب من الرجوع. والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية