الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث السابع: الرجوع في هبة الزوجة للزوج

        باتفاق الفقهاء: أن الزوج لا يجوز له أن يرجع في هبته لزوجته; لعموم أدلة تحريم الرجوع في الهبة.

        قال ابن قدامة: "فحصل الاتفاق على أن هبة الإنسان لذوي رحمه غير ولده لا رجوع فيه، وكذلك ما وهب الزوج لامرأته، والخلاف فيما عدا هؤلاء، فعندنا لا يرجع إلا الوالد، وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي".

        اختلف العلماء في حكم الرجوع فيها على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن الزوجة إن وهبت لزوجها لخوف ضرر يلحقها منه أو طلاق، أو أن يتزوج عليها، أو وهبت حياء أو إكراها، أو لأجل الثواب ونحو ذلك فلها أن ترجع، وإن وهبت عن طيب نفس فليس لها الرجوع.

        وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة.

        زاد المالكية إن كانت الهبة للثواب فلها أن ترجع.

        القول الثاني: أنه لا يجوز الرجوع للزوجة في هبتها لزوجها. [ ص: 108 ]

        وبه قال الحنفية، ورواية عن أحمد.

        القول الثالث: أنه يجوز للزوجة أن ترجع في هبتها لزوجها مطلقا.

        وهو رواية عن أحمد، وإسحاق، والأوزاعي، والشعبي، والزهري.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1- قوله تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا .

        وجه الدلالة: أن الله تعالى أباح للأزواج من أموال زوجاتهم ما كان عن طيب نفس دون أن يكون هناك إكراه، أو خوف ضرر، أو كانت العطية مبنية على سبب.

        (254) 2- روى ابن أبي شيبة من طريق الشيباني، عن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها شيئا، فأرادت أن تعتصره فهي أحق به".

        وجه الدلالة: دل الأثر على رجوع الزوجة في هبتها زوجها إذا كانت الهبة على غير رغبة منها، كما لو كانت مبنية على سبب.

        أدلة القول الثاني:

        1- أن الزوجية مثل القرابة، فكما لا يجوز الرجوع في هبة ذوي القرابة [ ص: 109 ] المحرمية، فكذلك لا يجوز الرجوع بين الزوجين; لجريان التوارث بينهما، وعدم شهادة كل منهما للآخر.

        2- أن المقصود في هبة كل واحد منهما للآخر الصلة والتواد دون العوض، كما في القرابة المحرمية فقد حصل، فلا يرجع بعد حصول المقصود.

        3- أن الرجوع يوقع العداوة والنفرة.

        دليل القول الثالث: ما تقدم عن عمر رضي الله عنه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن ما تقدم عن عمر -رضي الله عنه- إنما يجوز الرجوع إذا كان لسبب.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- القول الأول، فالزوجة لا يجوز لها أن ترجع في هبتها لزوجها، إلا إذا كانت لسبب; لقاعدة: ما بني على سبب فإنه ينتفي بانتفائه.

        [ ص: 110 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية