الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الثاني: هبة بقية الأقارب غير الأولاد

        اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم التسوية في هبة الأقارب غير الأولاد المباشرين كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات على قولين:

        القول الأول: عدم وجوب التسوية بينهم.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        ونص الشافعية: "ويسن أن يسوي الولد إذا وهب لوالديه شيئا، ويكره له ترك التسوية... فإن فضل أحدهما فالأم أولى; لخبر إن لها ثلثي البر، والإخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الحكم، ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة لكن دون طلبها في الأصول والفروع".

        واحتجوا بما يلي:

        1 - حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما من السابق.

        [ ص: 505 ] وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم لبشير زوجة، ولم يأمره بإعطائها شيئا حين أمره بالتسوية بين أولاده، ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك؟.

        2 - ولأنها عطية لغير الأولاد في صحته، فلم تجب عليه التسوية، كما لو كانوا غير وارثين.

        3 - ولأن الأصل إباحة تصرف الإنسان في ماله كيف شاء، وإنما وجب التسوية بين الأولاد بخبر النعمان، وليس غيرهم في معناهم; لأنهم استووا في وجوب بر والدهم، فاستووا في عطيته.

        وبهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبشير رضي الله عنه: "أيسرك أن يستووا في برك؟" قال: نعم، قال: "فسو بينهم"، ولم يوجد هذا في غيرهم.

        4 - ولأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده، فيمكنه أن يسوي بينهم باسترجاع ما أعطاه لبعضهم، ولا يمكن ذلك في غيرهم.

        5 - ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم، وصرف ماله إليهم عادة، يتنافسون في ذلك، ويشتد عليهم تفضيل بعضهم، ولا يباريهم في ذلك غيرهم، فلا يصح قياسه عليهم، ولا نص في غيرهم.

        القول الثاني: أن حكمهم كالأولاد في وجوب التسوية.

        ذهب إليه جمع من فقهاء الحنابلة منهم أبو الخطاب، وأبو البركات، وصاحب التلخيص وغيرهم.

        بل جزم صاحب الإنصاف: بأنه الصحيح من المذهب.

        [ ص: 506 ] حجته:

        1 - لأنهم في معنى الأولاد، فثبت فيهم مثل حكمهم.

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم، كما تقدم القول الأول.

        2 - ولأن المنع من ذلك كان خوف قطيعة الرحم والتباغض، وهذا موجود في الأقارب.

        ونوقش هذا الاستدلال: أن ما ذكروه من المعنى وهو ما يؤدي إليه من العداوة والبغضاء، وهذا إنما يعظم في الأولاد دون غيرهم، ويمكن تجنب هذه المفسدة بأن يكون التفضيل سرا، والله أعلم.

        الترجيح:

        والذي يترجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من عدم وجوب التسوية في غير الأولاد; وذلك لقوة أدلتهم وتضافرها في هذا الشأن، ومن أهمها ورود النص الصحيح فيهم خاصة.

        [ ص: 507 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية