المطلب الثاني
اعتراض القاضي على الناظر
القاضي له أن يعترض على الناظر إذا فعل ما لا يسوغ له فعله من مخالفة لشرط الواقف، أو إضرار بالوقف، أو غير ذلك.
قال المناوي: "له - يعني : القاضي - الاعتراض على نظارها في اختيار ما لا يليق".
وقال البهوتي: "للحاكم النظر العام، فيعترض عليه أي على الناظر الخاص إن فعل الخاص ما لا يسوغ له فعله ; لعموم ولايته".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ليس للحاكم أن يولي ولا يتصرف في الوقف بدون أمر الناظر الشرعي الخاص، إلا أن يكون الناظر الشرعي قد تعدى فيما يفعله ، فللحاكم أن يعترض عليه إذا خرج عما يجب عليه".
ومعنى اعتراض القاضي أن يمنعه من التصرف، ويلغي أثر تصرفه، أو يضمن الناظر ما فوته، ولابن تيمية رأي في تصرف الناظر بخلاف ما يسوغ يقول فيه: "لو قدر أن ناظر الوقف، ووصي القيم ، والمضارب والشريك، خانوا ثم تصرفوا مع ذلك، فلا بد من تصحيح تصرفهم في حق المشترى منهم، وحق رب المال، وإلا فلو أبطل ذلك فسد عامة أموال الناس التي [ ص: 383 ] يتصرف فيها بحكم الولاية أو الوكالة; لغلبة الخيانة على الأولياء والوكلاء، لا سيما ويدخل في ذلك من تصرفات ولاة الأمور ما لا يمكن إبطاله - والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها - فلا يجوز لأحد رعاية حق مجهول في عين حصل عنها بدل خير له منها : أن يحرم عليه وعلى المشترين أموالهم، فإن هذا بمنزلة من يهدم مصرا، ويبني قصرا".
وفيما ذكره إعمال لمبدأ المصلحة فيما يصححه القاضي من التصرف الواقع من الناظر بين إبطال التصرف وإلغاء أثره، أو تضمين الناظر، متحريا في ذلك ما يكون الصلاح فيه حاصلا بليغا، والمفسدة به معطلة أو قليلة.
قال الطرابلسي: "لو أجر الوقف بما لا يتغابن فيه لا تجوز الإجارة، وينبغي للقاضي إذا رفع إليه ذلك أن يبطلها، ثم إن كان المؤجر مأمونا، وكان ما فعله على سبيل السهو والغفلة فسخ الإجارة وأقرها في يده، وإن كان غير مأمون أخرجها من يده ودفعها إلى من يوثق به، وهكذا الحكم لو أجرها سنين كثيرة يخاف على الوقف تبطل الإجارة، ويخرجها من يد المستأجر، ويجعلها في يد من يثق به ".
وجاء في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية : "ولا نظر لغير الناظر الخاص معه، وللحاكم النظر العام، فيعترض عليه إن فعل ما لا يشرع، وله ضم أمين إليه مع تفريطه أو تهمته ليحصل المقصود". [ ص: 384 ]