المسألة الثانية: تعريف المرض في الاصطلاح:
المرض في الاصطلاح : حالة للبدن يزول بها اعتدال الطبيعة .
والمقصود هنا مرض الموت.
وقيل في تعريفه : هو المرض الذي يحكم أهل الخبرة بكثرة الموت من مثله ، وإن لم يكن غالبا .
وهو المشهور عند المالكية ، وقول عند الشافعية.
والمراد بالكثرة : أن لا يتعجب من صدور الموت منه، ولو لم يكن غالبا منه .
ويحترز بذلك من نحو وجع الضرس، والرمد ونحو ذلك، فإنه يتعجب من صدور الموت عن مثل ذلك.
وعن الإمام "أنه كل مرض أقعد صاحبه عن الدخول والخروج". مالك:
وقيل : هو الذي يخاف منه الموت غالبا .
وهو قول الحنفية، وبعض المالكية ، وبه قال الشافعي.
وقيل : هو الذي أضناه المرض، وصار صاحب فراش .
وهو قول الحنفية.
وقيل : "ما لا يقدر صاحبه أن يقوم إلا أن يقام" . [ ص: 281 ]
وقيل: "إذا كان يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بغيره فصحيح، وإلا فمريض" .
وقيل: "أن لا يقدر على الصلاة إلا جالسا " .
وهذه أقوال للحنفية.
وقيل : هو كل ما يستعد الإنسان بسببه لما بعد الموت من العمل الصالح كالقولينج، وذات الجنب، والرعاف الدائم ، والإسهال المتواتر مع قيام الدم، والسل في انتهائه، والفالج في ابتدائه، والحمى المطبقة.
وهو قول عند الشافعية .
وقال شيخ الإسلام: "ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب على الظن [ ص: 282 ] الموت منه، أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت... وإنما الغرض أن يكون سببا صالحا للموت فيضاف إليه ، ويجوز حدوثه عنده".
وأقرب ما يقال : ما يكثر حصول الموت منه ، فلا عبرة بما يندر وجود الموت منه .
وهناك أمراض شاعت في زماننا أشد خطورة من هذه كالسرطان والإيدز، نسأل الله العافية، وعلى أية حال، فإن الفقهاء متفقون على أنه لا بد فيه من تحقيق شرطين:
الأول: أن يتصل به الموت .
الثاني : أن يكون المرض مخوفا.
والأقرب: أن يقال : إن المرجع في معرفة كونه مخوفا أو غير مخوف إلى أهل الخبرة وأهل العلم به ، فإن قالوا: بأن هذا المرض مخوف، فتصرف صاحبه تصرف المريض، وإن قالوا: غير مخوف، فتصرفه تصرف الصحيح.
فرع: إذا مات المريض بسبب آخر:
اتفق الفقهاء على أن المرض لا أثر له في التبرع إلا إذا اتصل به الموت، أما لو برئ المريض من مرضه فإن جميع تبرعاته تصح نافذة وتعتبر صحيحة ; لأنها صدرت من الأهل في المحل ولا مانع من نفاذها.
ولو مات المريض بسبب آخر في أثناء المرض، كما لو مات بسبب غرق [ ص: 283 ] ونحو ذلك، فإن تبرعاته تعتبر صادرة من مريض مرض الموت، فيضاف الموت من حيث الحكم إلى المريض الأصلي بقطع النظر عن السبب الطارئ.
وإلى هذا ذهب الحنفية ، والشافعية، والحنابلة .
ويرى عيسى بن أبان - الحنفي - أن المريض لو مات بسبب آخر كما مثلنا، فإن تبرعاته تكون نافذة كالصحيح.
وحجته : أن مرض الموت ما يكون سببا للموت، ولما مات بسبب آخر علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت.
وأجيب : بأن الموت اتصل بمرضه حيث لم يصح حتى مات، فكان مرضه مرض الموت، وقد يكون للموت سببان المرض والحادث الطارئ.