الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: سرقة وقف المسجد الذي قصد به انتفاع الناس :

        إذا سرق سارق وقف المسجد الذي يقصد به انتفاع الناس، وذلك نحو : حصر المسجد، ومكيفاته، وبرادته، وقناديل تسرج فيه ، ومصحف موقوف للقراءة في المسجد، ففي وجوب القطع بتلك السرقة خلاف بين العلماء على النحو الآتي:

        القول الأول : أنه يجب القطع بسرقة كل ما وقف على المساجد، ومنها ما وقف لانتفاع الناس.

        وهذا هو قول بعض الحنفية، والمالكية، وهو وجه عند الشافعية ، ووجه عند الحنابلة.

        القول الثاني : أنه لا قطع بسرقة ما وقف على المسجد لانتفاع الناس . [ ص: 250 ]

        وهذا هو المشهور عند الحنفية، والشافعية ، والحنابلة .

        لكن الشافعية جعلوا هذا الحكم خاصا في المساجد العامة دون المساجد الخاصة بطائفة من الناس .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (القطع) :

        1- عموم أدلة القطع بالسرقة، كقوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .

        ولحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا".

        2- قال ابن عابدين: "الظاهر أن وجهه كون الوقف يبقى على ملك الواقف حكما ".

        ونوقش هذان الاستدلالان : بأن هذه السرقة وإن كانت من حرز إلا أنه تخلف شرط من شروط وجوب القطع بها، وهو انتفاء الشبهة، فالشبهة هنا موجودة ; وذلك أن العين موقوفة لانتفاع المسلمين، فللسارق فيها حق كغيره، فامتنع القطع لتلك الشبهة; لحرص الشارع على درء الحد ما أمكن إلى ذلك سبيلا كما سبق بيانه .

        أما ما ذكره ابن عابدين فإنه حتى على القول بأن الوقف ملك لواقفه فإنه [ ص: 251 ] ضعيف، ألا ترى أن للسارق فيه حقا كما للواقف، وهذا الحق أورث شبهة يجب درء القطع بها .

        أدلة القول الثاني: (عدم القطع) :

        1- عموم الأدلة الدالة على درء الحدود بالشبهات .

        وذلك لكون تلك الأشياء مما ينتفع بها السارق، فيكون له فيها شبهة فلا يقطع بها ، كما لا يقطع بالسرقة من بيت المال .

        2- أنه مال لا مالك له.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بالقطع; لقوة دليله في مقابل مناقشة دليل المخالف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية