الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث السابع

        رهن الناظر للوقف، وأخذ الرهن عليه

        الرهن لغة : يطلق على معان، منها : الدوام والثبوت، ومنه قولهم : نعمة راهنة، أي: ثابتة دائمة، ويطلق ويراد به : الحبس واللزوم، ومنه قوله تعالى : كل امرئ بما كسب رهين أي: محبوس حتى يخرج من حقوق الله عليه.

        وفي الاصطلاح : توثقة دين بعين أو بدين يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره .

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول

        رهن عين الوقف

        صورة المسألة : أن يقترض قرضا، أو يشتري مبيعا بثمن مؤجل، فتجعل العين الموقوفة رهنا بهذا الدين .

        فلا يخلو هذا من أمرين:

        الأمر الأول: أن تكون الاستدانة لصالح الوقف فيجوز; لما تقدم قريبا [ ص: 96 ] من صحة الاستدانة على الوقف للمصلحة، فيصح الرهن تبعا; لأنه فرع لصحة الاستدانة التي هي الأصل.

        الأمر الثاني : أن تكون الاستدانة لغير صالح الوقف .

        فاختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :

        القول الأول : أنه لا يصح رهن عين الوقف.

        وبهذا قال الإمام أبو حنيفة في رواية عنه، وبها أخذ أصحابه، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

        القول الثاني: يصح رهن العين الموقوفة بناء على صحة الرجوع في الوقف، وأنه ملك للواقف.

        وبهذا قال الإمام أبو حنيفة في رواية عنه.

        الأدلة :

        أدلة القول الأول: (عدم الصحة) :

        استدل لهذا الرأي بالأدلة التالية :

        1- سائر الأدلة الدالة على لزوم الوقف، وعدم جواز الرجوع فيه، [ ص: 97 ] ومنها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه : "تصدق بأصله لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث ".

        وجه الاستدلال: أن هذه الأدلة دلت على عدم جواز الرجوع في الوقف، ورهن العين وسيلة إلى الرجوع في الرهن وإبطاله; لأن الغرض من الرهن بيعه عند حلول الدين، وعدم السداد.

        2- أن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه عند التعذر، وما لا يجوز بيعه كالوقف لا يمكن فيه ذلك، فلا يجوز رهنه.

        3- أن رهن الوقف يلزم منه تعطيله بحبسه عند المرتهن، وهذا خلاف مقصود الواقف، فلا يجوز.

        دليل القول الثاني: (صحة رهن الوقف) :

        استدل لهذا الرأي بما يلي:

        الأدلة الدالة على عدم لزوم الوقف، وجواز الرجوع فيه .

        وجه الدلالة: أنه يصح للواقف الرجوع في الوقف; لأن ملكه لا يزول عن العين الموقوفة وإذا جاز الرجوع جاز له البيع، ومن ثم جاز الرهن; لأن ما جاز بيعه جاز رهنه .

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم بعدم زوال ملكية العين الموقوفة عن ملكية الواقف، بل تزول بمجرد الوقف، فلا يصح له الرجوع، وبناء عليه لا يجوز البيع ومن ثم الرهن .

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بعدم صحة رهن الوقف ; [ ص: 98 ] لما تقدم من لزوم الوقف، وعدم الرجوع فيه، وأن ملكه خرج عن الواقف إلى الله تعالي.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية