الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الترجيح:

        الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بملكية الناظر لإجارة الوقف بأقل من أجرة المثل إذا كان هو الموقوف عليه; لقوة ما استدلوا به، ولأن الناظر إذا كان هو الموقوف، فإنه يعد مالكا لمنفعة الوقف ملكا تاما، فله أن يتصرف كما يشاء، وما ترتب على المأذون غير مضمون، بشرط عدم الإضرار بما سيأتي من بعده من البطون، فإن حصل ضرر عليهم أزيل بعدم إطالة المدة.

        الحال الثانية: حكم إجارة الناظر للوقف بغبن فاحش إذا لم يكن هو الموقوف عليه:

        اختلف الفقهاء في صحتها على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن الإجارة صحيحة، ويضمن الناظر ما نقص عن أجرة المثل.

        وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

        وعند شيخ الإسلام: أن الناظر إذا احتاط واجتهد ولم يفرط: أنه لا ضمان عليه.

        جاء في الاختيارات: «وإذا اشترى الوكيل أو المضارب بأكثر من ثمن المثل، أو باع بدونه صح ولزمه النقص والزيادة نص عليه.

        قال أبو العباس: وكذلك الشريك والوصي والناظر على الوقف وبيت المال، ونحو ذلك، قال: وهذا ظاهر إذا فرط، وأما إذا احتاط في البيع [ ص: 386 ] والشراء، ثم ظهر غبن لم يقصر فيه، فهذا معذور يشبه خطأ الإمام والحاكم، ويشبه تصرفه قبل علمه بالعزل» .

        القول الثاني: لا تصح إجارة الناظر للوقف بأقل من أجرة المثل، والعقد فاسد.

        وبهذا قال الحنفية، والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة.

        ولو تسلمها المستأجر فعليه أجر المثل بالغا ما بلغ، واستثنى الحنفية من ذلك صورتين:

        الأولى: ما أشار إليه ابن عابدين، فقال: «لا يصح إذا كان بغبن فاحش... إلا عن ضرورة، وفي فتاوى الحانوتي: شرط إجارة الوقف بدون أجرة المثل إذا نابته نائبة، أو كان دين» .

        الثانية: أشار إليها الأسروشني فقال: «والفتوى على أنه يجب أجر المثل في هذه الصورة بالغا ما بلغ; إلا إذا انتقص المنزل بسكنى المستأجر، وكان ضمان النقصان أنفع لليتيم والوقف، أو نقصتها الزراعة وكان ضمان النقصان أنفع، فحينئذ يجب ضمان النقصان، فالحاصل: أنه ينظر إلى النقصان وإلى أجر المثل، فأيهما كان أكثر يجب ذلك للوقف وللصغير» .

        القول الثالث: تفسخ الإجارة إذا طلب الوقف بأجرة المثل، ويضمن الناظر تمام أجرة المثل إن كان مليئا، وإلا فالمستأجر. [ ص: 387 ] قال العدوي: «إذا أكرى الناظر بغير أجرة المثل ضمن أجرة المثل إن كان مليا، وإلا رجع على المستأجر; لأنه مباشرة، وكل من رجع عليه لا يرجع على الآخر» .

        وبهذا قال المالكية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1 - قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، فناظر الوقف بمنزلة ولي اليتيم، بجامع أن كلا منهما يتصرف لغيره، وليس من قربان الوقف بالتي هي أحسن تأجيره بغبن فاحش.

        2 - قوله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، وتأجيره بغبن فاحش خلاف الأمانة.

        3 - أن ناظر الوقف يتصرف في مال غيره على وجه الخطر، فيضمن ما نقص بعقده، قياسا على الوكيل إذا باع أو أجر بدون ثمن أو أجرة المثل.

        4 - ودليل شيخ الإسلام: أنه إذا اجتهد ولم يفرط أنه لا ضمان عليه قياسا على خطأ الإمام والحاكم.

        وقياسا على ما إذا تصرف قبل علمه بالعزل.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية