الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        أدلة القول الثالث: (تبقى في ملكية الواقف لكن لا يبيح له التصرف فيه) : استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه:

        إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»
        أي: الثمرة والغلة.

        وجه الاستدلال: حيث إن ظاهر هذا الحديث لا يوجب زوال الملك عن الرقبة، وإنما زوالها عن المنافع; لأن المعنى حبس الأصل على ما كان.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن آخر هذا الحديث يدل على زوال الملك، حيث جاء فيه: «فتصدق به عمر لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث» ، فسلب عنه خاصية الملك، وهي القدرة على التصرف في العين.

        2 - حديث عمر رضي الله عنه، وفيه: قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: «تصدق» ، وقوله : حبس» ، ومفهومهما مختلف; لأن معنى: «تصدق» بأصلها، أنها ملك الفقير، ومعنى «حبس» : احبسه أي: على ما كان، ولا يمكن أن يراد بهما إلا معنى أحدهما، وإلا كان صلى الله عليه وسلم مجيبا لعمر رضي الله عنه في حادثة واحدة بأمرين متنافيين، فإما أن يحمل «حبس» على معنى «تصدق» والاتفاق على نفيه; إذ لا يقول أحد من الثلاثة - أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد - بملك الفقير للعين، فوجب أن يحمل «تصدق» على معنى «حبس» ، وهو قول أبي حنيفة - له - فيحبس على الملك شرعا، وإذا حبس عليه امتنع بيعه.

        [ ص: 16 ] ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا فرق بين مفهومي تصدق» و «حبس» ; لأن اللفظتين مفهومهما واحد، وهو منع الأصل عن التمليك، وتسبيل المنفعة، ولا يخفى أن «حبس» تدل على المنع والتأبيد - كما تقدم في تفسير «حبس» لغة، فكلاهما تدل على المنع من التصرف في العين على التأبيد في حين أن الثمرة مسبلة في أوجه الخير.

        3 - قياس الوقف على العارية، حيث إن المالك تصدق بالمنافع وألزم نفسه ذلك، وليس في هذا إخراج للأصل من ملكه.

        ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; لأن العين في الوقف يجوز أن تكون في يد الواقف إذا وقف على نفسه، أو جعل النظارة لنفسه، بخلاف العارية فلابد من تسليم العين إلى المستعير لينتفع بها.

        4 - أن ملك الواقف للعين كان متيقن الثبوت بلا شك، والمعلوم بالوقف من شرطه عدم البيع ونحوه، فليثبت ذلك القدر فقط، ويبقى الباقي على ما كان حتى يتحقق المزيل ولم يتحقق.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه مسلم أن الأصل بقاء ما كان على ما كان إذا لم يوجد ما يرفع الحكم الثابت، وقد وجد هذا في الوقف كما سلف في أدلة القول الأول.

        5 - أن الوقف لا يوجب زوال الملك عن الواقف، ولذلك تلزمه الخصومة فيه.

        ونوقش: بأن الخصومة إنما تلزم الواقف باعتباره ناظرا عليه، لا باعتباره مالكا له، ولهذا لو كان الناظر غير الواقف لزمته الخصومة دون الواقف.

        [ ص: 17 ] 6- امتداد الثواب للواقف ما استمرت العين الموقوفة محبسة الأصل مسبلة الثمرة; إذ لو انقطعت ملكية المالك عنها لاستلزم ذلك أن ينقطع عنه الأجر.

        ونوقش: بأن من يوقف مسجدا يخرج عن ملكه بالإجماع، ولا ينقطع عنه ثواب وقفه.

        7 - القياس على أم الولد، حيث يبقى الملك فيها مع عدم القدرة على التصرف فيها ببيع أو نحوه، ومثله المدير المطلق.

        وكما هو الشأن في الوصية بالمنافع; إذ تكون الرقبة للورثة والمنفعة للموصى له بها.

        ونوقش من وجهين:

        الوجه الأول: بأنه قياس مع الفارق; لأن حال أم الولد يختلف في حياة سيدها وبعد موته، ولا يختلف الحال في الوقف بعد الحياة والموت، كما أن الشارع يتشوف إلى العتق لاسيما وقد صارت أما لولده; لذا منع من التصرف بها وهي ملك له.

        الوجه الثاني: أن الشارع جاء بالتصدق وإخراجها عن ملك الواقف، وإن ثبت في الشريعة وجود ما يملك ولا يتصرف فيه، إلا أن الوقف مخصوص كما في نص الحديث.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية