فروع:
الأول: أثر الوقف في التصدي للاستعمار في الهند:
عملت السلطات الإنجليزية وبمساعدة الهندوس على سلب ونهب أموال الوقف; إذ استغلوا أموال الوقف التي كانت مخصصة للمدارس ولتعليم أبناء المسلمين، فاعتدوا عليها وصرفت لغير ما خصصت لها من منافذ، واعتدوا على أوقاف المساجد، خاصة تلك التي كانت تحتوي على مدارس ومعاهد تعليمية، فطرد الإنجليز علماء المسلمين ورؤساءهم منها، ونفوهم إلى أماكن بعيدة عن مراكز نشاطهم العلمي، على أمل أن هذه القيادات العلمية ستخضع وستقل عملية مقاومة الاستعمار لدى المسلمين، ويسهل أمر السيطرة عليهم.
ومع كل هذه الجهود، إلا أن ما أبقى جذوة الإسلام مشتعلة ومتقدة في الهند - وأبقى على تماسك المسلمين في المقاومة - هو استمرار مقاومة رجال العلم في المعاهد الإسلامية في الهند التي عضدت بأموال وقفية، مثل مراكز التعليم في عليكرة، وحيدر آباد، وكراتشي، وغيرها من المراكز العلمية والمساجد الكبيرة التي كانت تمول من الأوقاف الإسلامية.
الثاني: أثر الوقف في مقاومة الاستعمار الهولندي لأندونيسيا:
لعبت المدارس الإسلامية الوقفية دورا حيويا في المحافظة على جذوة الإسلام متقدة، وعلى قيمة واستمرار الاعتزاز به ضد سلطات الكنيسة التي سعت لتنصيرهم، وضد الاستعمار الذي تمثل في السلطات الهولندية.
والأمر نفسه ينطبق أيضا على كل جنوب شرقي آسيا، مثل ماليزيا والفلبين وغيرها التي اعتمد كل منها اعتمادا واسعا على المدارس الوقفية الإسلامية. [ ص: 114 ] الثالث: أثر الوقف في التصدي للاستعمار في بلاد المغرب العربي:
في المغرب العربي لعب الوقف دورا رئيسيا في المحافظة على تماسك المجتمع الإسلامي الذي وقع تحت سلطات احتلال أجنبية أخرى، ليس في النواحي الاقتصادية وحدها، بل حتى النواحي السياسية والتعليمية، وفي مقاومة التنصير، ومقاومة الانصهار والخضوع للانحلال.
كل هذه المواقف الرافضة للاحتلال اعتمدت في الجزء الأكبر منها على ما أتاحته موارد الموقوفات على المدارس والحبوسات على الزوايا والربط والمساجد التي سميت بالحبوس في الشمال الإفريقي، ولقد أدت تلك الوقوف للعلم الشرعي واللغة العربية خدمات محمودة، فلولا موارد الأوقاف المغربية التي عضدت الدراسات الإسلامية في بلاد المغرب العربي زمن الاحتلال الفرنسي لعفيت لغة القرآن، وضاع كثير من العلم الشرعي.
وبالرغم من أن الاحتلال الفرنسي استطاع أن يوجد تمزقا وخللا في الأوضاع الاقتصادية للشعوب العربية في شمال إفريقية، وذلك نتيجة استيلائه على الأموال والأراضي العامة التي تعود للدولة، غير أن الأوقاف التي خصصت للمساجد والمدارس والكتاتيب والربط لم يكن من السهل الاستيلاء عليها.
ومن هنا، فإن علماء المسلمين هناك مثل: الثعالبي، والطاهر بن عاشور، وابن باديس، والشنقيطي، وحسني عبد الوهاب، وغيرهم من العلماء في بلاد المغرب استطاعوا جميعا أن يتصدوا للاستعمار الفرنسي، ولمساعي الكنيسة الكاثوليكية، كما فعل إخوانهم في ليبيا في مقاومتها ومقاومة الاستعمار الإيطالي; لأنهم جميعا اعتمدوا على أوقاف المدارس والمساجد; مثل مدرسة القرويين، ومدرسة تلمسان، وجامعة الزيتونة، ومدارس فاس ومراكش والريف المغربي والزوايا والتكايا السنوسية; إذ [ ص: 115 ] ساهمت هذه المدارس والمساجد طلبتها في ثورة الأمير عبد القادر الجزائري، وفي ثورة عمر المختار، وثورة الريف التي قام بها عبد الكريم الخطابي.
الرابع: دور الوقف في الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإنجليزي، والصهيوني:
حاولت سلطات الاحتلال الإنجليزي السيطرة على المسلمين وإخضاعهم للنفوذ اليهودي الاستيطاني وأساليبه البشعة في الاستيطان، وذلك بعد استيلاء إنجلترا على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، غير أن نتيجة لاستخدام الموارد الوقفية مباشرة. اعتماد علماء الدين على أموال الوقف وأعيانه قد أعانت المسلمين على ولاية أنفسهم ورعاية مصالحهم بأنفسهم،
ولا تزال المؤسسات الوقفية في فلسطين، سواء منها تلك الأراضي التي تعتبر ضمن كيان اليهود، أو في الضفة الغربية وغزة - خاصة المؤسسات التعليمية - تعتبر من أشد مراكز المقاومة للاحتلال والاستيطان الصهيوني، وأكثرها فاعلية في مقاومة محاولة الاستيلاء على الأرض بحكم أن هذه الأراضي موقوفة، وليست ملكا عاما للدولة.
الخامس: دور الوقف في تصدي العلماء للاحتلال الإنجليزي في مصر:
أما في مصر، فإنه حصل التصدي للاحتلال الإنجليزي من خلال الأوقاف على الأزهر، وسيأتي الكلام عليها في مبحث الوقف على العلم.
السادس: دور الوقف في المساهمة في توفير البنية التحتية والمرافق الأساسية:
ساهم الوقف مساهمة كبيرة لتشمل المرافق والبنية الأساسية المهمة آنذاك للاقتصاد، كالطرق والخانات والسبل والآبار لتوفير ماء الشرب، وهذا دليل على الدور التنموي الذي كان يضطلع به الوقف في العصور السابقة. [ ص: 116 ]
فقد ساهمت أموال الأوقاف في ربط مشرق العالم الإسلامي بمغربه في تعبيد شبكة واسعة من الطرق، بل إن أموال الأوقاف لم تكتف بتعبيد الطرق بين الدول الإسلامية، بل ساهمت في وقف الأراضي المجاورة لها، حيث إن الأراضي المجاورة للسكة الحديدية على بعد مئة متر من كل جانب على طول الخط من إستانبول إلى بغداد والمدينة النبوية قد تم وقفها; لخدمة هذا المرفق الحيوي المهم.
كما أنشأت الأوقاف الخانات لإيواء المسافرين، ووفرت الماء البارد لعابري السبيل وبين الحارات، خاصة في المناطق الكثيفة بالسكان، حتى أصبح تسبيل الماء العذب من أهم الوجوه التي اهتم بها الواقفون، وشقت الترع والقنوات وحفرت الآبار الارتوازية في الطرق البرية التي تربط ما بين المدن على امتداد العالم الإسلامي لسقاية الراحلة وغيرها.