وما جاء هوازن ...قال: « أما بعد، فإن إخوانكم جاؤوا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا، فقال الناس: طيبنا لك ». أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد
وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهب نصيبه من الغنيمة، ونصيبه منها مشاع، والوقف كالهبة بجامع أن كلا منهما تبرع.
ونوقش من وجوه:
الوجه الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك على وجه أي: لا أملك إلا نصيبي فكيف أطيب لك بشيء من الغنيمة، [ ص: 625 ] ألا ترى أنه ليس لواحد من الغانمين أن يهب نصيبه قبل القسمة؛ لأنه لا يدري أين يقع نصيبه، أو كان ذلك مما لا يحتمل القسمة. المبالغة في النهي عن الغلول،
ويجاب عنه: بأن هذه مجرد احتمالات لا تنهض في مقابل تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بهبته لنصيبه، وأخبر بأنه لا يستطيع هبة نصيبه؛ لأنه غير متميز؛ فلما لم ينقل عنه شيء من ذلك دل على صحة هبة المشاع، وكذا الوقف.
أما القول بأنه مما لا يحتمل القسمة، فهذا قول ينقصه الدليل الدال على صحة هبة المشاع سواء كان مما يحتمل القسمة أو مما لا يحتملها.
الوجه الثاني: أن هذا ليس فيه هبة شرعية، وإنما هو رد سبيهم إليهم على وجه المن عليهم، ورد الشيء لصاحبه لا يسمى هبة.
ويجاب عنه: بأن هذا غير مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ملك الغنيمة وأصحابه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ولو كان لم يملكها لما قال ذلك، ولما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في ردها لهم. « نصيبي لكم »
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة قبل مجيء وفد هوازن، وإذا كان كذلك فما رده صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو مفرز مقسوم غير مشاع؛ إذ كل واحد من الغانمين رد غنمه إلى صاحبه.
(181) 6 - ما رواه من طريق أحمد يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عيسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمير بن سلمة الضميري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالعرج، فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء [ ص: 626 ] رجل من بهز، فقال: يا رسول الله هذه رميتي فشأنكم بها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ».
[إسناده حسن] [ ص: 627 ]
وجه الاستدلال: أن البهزي وهب الحمار للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهذه والوقف كالهبة بجامع أن كلا منهما تبرع. هبة المشاع،
ونوقش بأن هذا لم يكن على وجه الهبة، بل على وجه الإباحة، ولا يؤثر فيها الشيوع، والممتنع هو القسمة على وجه التمليك.
ويجاب عنه: بأن ظاهر قولي البهزي: يدل على أنه وهبه الهم، أي: افعلوا بهذا الحمار ما تشاؤون فهو ملك لكم. « شأنكم بها »
(182) 7 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم زهدم، عن رضي الله عنه قال: أبي موسى الأشعري الأشعريين نستحمله، فقال: « والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه »، قال: فلبثنا ما شاء الله، ثم أتي بإبل، فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى ». [ ص: 628 ] أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من
ووجه الاستدلال به : أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب الأشعريين ثلاثة من الإبل مشاعا بينهم، والوقف كالهبة بجامع أن كلاهما تبرع.
(183) 8 - ما رواه من طريق البخاري أبي حازم، عن رضي الله عنه سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتي بشراب فشرب وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: « إن أذنت لي أعطيت هؤلاء » فقال: ما كنت لأوثر بنصيبي منك يا رسول الله أحدا، فتله في يده.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الغلام أن يهب نصيبه للأشياخ، وكان نصيبه منه مشاعا غير متميز، فدل ذلك على صحة هبة المشاع وكذا الوقف بجامع التبرع.
ونوقش بأن الحديث ليس فيه ما يدل على هبة المشاع، وإنما هو من طريق الإرفاق.
ويجاب عنه : بأن ظاهر قول الغلام وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم على قوله يدل على أن هذا السؤال سؤال هبة لنصيبه لا سؤال إرفاق. « ما كنت لأوثر نصيبي »
(184) 9 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن محارب، رضي الله عنه قال: جابر [ ص: 629 ] « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقضاني وزادني ».
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ثمن بعيره وزاده على ذلك، وهذه الزيادة هبة لمشاع؛ لأن الزيادة غير متميزة عن الثمن، وكذا الوقف بجامع التبرع. لجابر
ونوقش بأن هذه الزيادة لم تكن هبة، وإنما هي ليتيقن بها الإيفاء، والزيادة لا يؤثر فيها الشيوع.
ويجاب عنه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكنه التيقن من إيفائه حقه من غير زيادة، فلما زاده دل ذلك على أنه أراد إكرامه بهذه الهبة.
(185) 10 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم أبي سلمة، عن رضي الله عنه قال: أبي هريرة كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فهم به أصحابه، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا »، وقال: « اشتروا له سنا فأعطوه إياه »، فقالوا: إنا لا نجد سنا إلا سنا هي أفضل من سنه، قال: « فاشتروه فأعطوه إياه، فإن من خيركم أحسنكم قضاء ».
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعطاء سن لصاحب الدين أفضل من سنه، والزيادة فيه غير مقسومة، وهذه هبة لمشاع ، وكذا الوقف بجامع التبرع.
ونوقش بما نوقش به الحديث السابق.
ويجاب عنه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكنه أن يعطيه قيمة سنه لتعذر مثله، أو ينتظر الأعرابي حتى يوجد مثل سنه فيعطى إياه؛ لأن المثل إذا تعذر عدل إلى قيمته، فلما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة على حقه مع إمكان إعطائه قيمته أو [ ص: 630 ] الانتظار إلى وجود مثله دل على أنه أراد الإحسان إليه بهبته لهذا الزائد على مثل حقه.
(186) 11 - وقال وقالت البخاري: أسماء للقاسم بن محمد وابن أبي عتيق: « ورثت عن أختي بالغابة، وقد أعطاني به عائشة معاوية مئة ألف فهو لكما ».
وجه الاستدلال: أن وهبت لهما ما ورثته من أسماء هبة مشاعة بينهما. عائشة
ونوقش بأن هذه الهبة لا يتحقق فيها الشيوع عند صاحبي أبي حنيفة - خلافا له - ؛ لأن هذه هبة الجملة ولم يوجد فيها الشيوع إلا من أحد الطرفين فلا يفسد؛ إذ ليس فيه إلزام المتبرع مؤنة القسمة.
وأجيب عنه: بأن هذه هبة النصف من كل واحد.