المسألة الثانية: بيان حال اليتيم عند البلوغ:
لا يخلو حاله عند البلوغ من أحد أمرين: إما أن يبلغ رشيدا، وإما أن يبلغ غير رشيد، وبيان ذلك في أمرين:
الأمر الأول: بلوغه رشيدا.
اتفق الفقهاء على أن اليتيم إذا بلغ الحلم وأونس منه الرشد أنه يدفع إليه ماله.
قال «وأجمعوا على أن مال اليتيم يدفع إليه إذا بلغ النكاح وأونس منه الرشد». ابن المنذر:
وقال ابن هبيرة: «واتفقوا على أن الصبي إن بلغ لم يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد».
ومع اتفاقهم على ذلك، إلا أنهم اختلفوا في مسألتين:
الأولى: هل يحتاج فك الحجر عن اليتيم، ودفع ماله إليه لفك الوصي أو القاضي؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: إن الحجر يزول بنفسه مطلقا متى بلغ اليتيم رشيدا.
إلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
[ ص: 362 ] واحتجوا بما يلي:1- قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم .
أمر الله سبحانه وتعالى -بدفع أموال اليتامى إليهم عند البلوغ وإيناس الرشد، فاشتراط شيء آخر من حكم الحاكم أو فك الوصي زيادة تمنع الدفع عند وجوب ذلك، وهذا مخالف لظاهر النص.
2- أنه حجر ثبت بغير حكم الحاكم، فيزول بغير فكه، كالحجر على المجنون.
3- أن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة; حفظا لماله عليه، وبالبلوغ والرشد يقدر على التصرف ويحفظ ماله، فيزول الحجر; لزوال سببه.
القول الثاني: كما ذكر الدسوقي.
وبه قال المالكية.
جاء في حاشية الدسوقي: «والحاصل أن ذا الأب لا يحتاج إلى فك من أبيه بخلاف ذي الوصي والمقدم، فيحتاج إليه، ولا يحتاج الفك منهما إلى إذن القاضي، وصورة الفك أن يقول للعدول: اشهدوا أني فككت الحجر عن فلان محجوري، وأطلقت له التصرف، وملكت له أمره لما قام عندي من رشده وحفظه لماله، وإنما احتاج ذو الوصي إلى الفك بخلاف ذي الأب مع أنه الأصل; لأن الأب لما أدخل ولده في ولاية الوصي صار بمنزلة ما لو حجر عليه وهو إذا حجر عليه صار لا ينتقل إلا بإطلاقه، وكذا يقال في المقدم فإن [ ص: 363 ] مات الوصي قبل الفك ولم يوص عليه فأفعاله بعد ذلك على الحجر، ولا بد من فك حاكم، ولا يقال: صار مهملا».
القول الثالث: أن الحجر عن الصغير لا يزول إلا بحكم الحاكم.
وبه قال الشافعية في وجه، واختاره من القاضي أبو يعلى الحنابلة.
وحجته: أنه موضوع اجتهاد ونظر، فإنه يحتاج في معرفة البلوغ والرشد إلى اجتهاد، فيوقف ذلك على حكم الحاكم كزوال الحجر عن السفيه.
الترجيح:
يترجح -والله أعلم- القول الأول; إذ هو ظاهر القرآن.