المطلب الثالث والعشرون: إعارة ماله
اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم على قولين: إعارة الولي لمال اليتيم
القول الأول: أن الولي لا يملك ذلك.
وهو قول جمهور أهل العلم.
وقيده بما إذا لم يكن مصلحة، وإلا جاز. ابن عبد البر:
وحجة هذا القول:
1- ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.
وجه الدلالة: أن الله -عز وجل- أمر بالإصلاح في أموال اليتامى، وعدم قربانها إلا بالتي هي أحسن، وليس إعارة أموالهم من ذلك; لأن العارية تبرع بلا مقابل.
2- أن الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض، فكان ضررا.
القول الثاني: أن الولي يملك إعارة مال اليتيم.
وبه قال الحنفية استحسانا.
[ ص: 314 ] لكن بشرط ألا يخشى ضياع مال اليتيم ولا تلفه.
وهذا القول هو مقتضى قول من أوجب العارية على المستغني عنها.
وهو رواية عن واختاره شيخ الإسلام. الإمام أحمد،
ووجه الاستحسان عند الحنفية: أن هذا من توابع التجارة فملكها الولي بملك التجارة، ولذا ملكها المأذون له، أي: بالتجارة.
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم أن الإعارة من توابع التجارة; إذ التجارة ما يغلب فيها العوض والربح، والعارية يغلب فيها التبرع.
ووجه من قال بوجوب العارية في مال اليتيم إذا كان مستغنيا عنها:
عمومات الأدلة الدالة على وجوب العارية، ومن ذلك:
1- قوله تعالى: ويمنعون الماعون
وجه الدلالة من الآية: أن الله -عز وجل- ذم على منع الماعون، وهذا يشمل منع إعارته، فدل ذلك على وجوب العارية.
(329) 2- ما رواه من طريق مسلم عبد الملك، عن عن أبي الزبير، -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: جابر «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء، ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول [ ص: 315 ] الله، وما حقها؟ قال: إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله».
وغير ذلك من أدلة وجوب العارية.
والحقوق المالية يستوي فيها الصغير والكبير، واليتيم وغيره.
الراجح:
يترجح -والله أعلم- عدم جواز إعارة مال اليتيم; إذ العارية تبرع، والولي لا يملكه، لكن يستثنى من ذلك: ما إذا كان مستغنيا عنها اليتيم; لقوة دليل القول الثاني، وكذا إذا ترتب على الإعارة مصلحة أنفع من عدم الإعارة.