الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الأدلة:

        أدلة الحنابلة:

        استدل الحنابلة على مشروعية قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت بما يلي:

        [ ص: 167 ] 1- حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه».

        فيلحق الاعتكاف بالصيام، فإنه أشبه به من الصلاة.

        ونوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجوه، وتقدم الجواب عليها.

        2- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقضه عنها».

        ولا يخلو إما أن يكون سعد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نذر كان على أمه، وأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- على مقتضى هذا السؤال ولم يستفصله، فكأنه قال: إذا كان عليها نذر فاقضه عنها; لأن السؤال كالمعاد في الجواب، وهذا عام مطلق في جميع النذور.

        أو يكون سأله عن نذر معين من صوم ونحوه، فيكون اختيار ابن عباس أنه أمره أن يقضي عنها النذر، ولم يعين ابن عباس أي نذر هو، دليل على أنه فهم أن مناط الحكم عموم كونه نذرا، لا خصوص ذلك المنذور، وأن كل النذور مستوية في هذا الحكم، وابن عباس أعلم بمراد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقصوده.

        3- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى».

        فقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فدين الله أحق أن يقضى» يشمل نذر الاعتكاف.

        [ ص: 168 ] والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

        4- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن امرأة جاءت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين ألست قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فاقضوا الله، فالله أحق بالوفاء».

        فقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فالله أحق بالوفاء» فبين النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن هذا دين من الديون، وأن الله أحق أن يوفى دينه، وأحق أن يقبل الوفاء، وهذه علة تعم جميع الديون الثابتة في الذمة لله.

        (305) 5- ما رواه أحمد من طريق حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاصي نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمرا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: «أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك».

        (306) 6- ما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم بن المهاجر، عن عامر بن مصعب أن عائشة رضي الله عنها: «اعتكفت عن أخيها بعدما مات».

        [ ص: 169 ] ونوقش: بضعفه; لضعف عامر، وإبراهيم بن مهاجر.

        (307) 7- ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله بن عتبة «أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف، فقال ابن عباس: اعتكف عن أمك».

        أدلة الرأي الثاني:

        استدل الجمهور على عدم مشروعية الاعتكاف عن الميت بما يلي:

        1- قوله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فدل على أن سعي غيره لا ينتفع به.

        قال شيخ الإسلام: «وأما الآية فللناس عنها أجوبة متعددة، كما قيل: إنها تختص بشرع من قبلنا، وقيل: إنها مخصوصة، وقيل: إنها منسوخة، وقيل: إنها تنال السعي مباشرة وسببا، والإيمان من سعيه الذي تسبب فيه، ولا يحتاج إلى شيء من ذلك، بل ظاهر الآية حق لا يخالف بقية النصوص، فإنه قال: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه ويستحقه، كما أنه إنما يملك من المكاسب ما اكتسبه هو، وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير لا له، لكن هذا لا يمنع أن ينتفع بسعي غيره كما ينتفع الرجل بكسب غيره».

        [ ص: 170 ] 2- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده».

        فأخبر -صلى الله عليه وسلم-: أنه إنما ينتفع بما عمله في الحياة، وما لم يكن عمله فهو منقطع عنه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: انقطع عمله، ولم يقل: انقطع انتفاعه، فإذا اعتكف وليه عنه انتفع بذلك، وبرأت ذمته.

        3- قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد».

        4- قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد».

        ونوقش هذان الأثران: بأنهما مخالفان لما ورد عنهما من قضاء صيام النذر عن الميت، وكذا الصلاة.

        5- قول عائشة -رضي الله عنها-: «لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم».

        [ ص: 171 ] ونوقش: بأنه ضعيف جدا.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية