فروع:
الفرع الأول: واختلفوا في المراد بالولي على أقوال: الأولى بالصوم عن الميت هو الولي،
فقيل: هو العاصب.
وقيل: هو الوارث.
[ ص: 152 ] وقيل: هو ولي المال، كالأب والجد.
وقيل: هو كل قريب للميت، وإن لم يكن عاصبا، ولا وارثا، ولا ولي مال، وهو المذهب عند الشافعية، ورجحه النووي وابن حجر.
والأقرب -والله أعلم- الولي هو كل قريب للميت; وذلك لما يلي:
1- حديث بريدة -رضي الله عنه- قال: «بينما أنا جالس عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ أتت امرأة فقالت: إني تصدقت عن أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها».
وجه الدلالة منه: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: فهنا أمر موجه إلى امرأة وهي ليست من العصبة، فعدم استفصال النبي -صلى الله عليه وسلم- منها عن إرثها وعدمه، وهل هي وصية أم لا؟ يدل على العموم، كما هو مقرر في الأصول على مقتضى قاعدة: «ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال» وأن المراد بالولي في حديث «صومي عنها» هو مطلق القريب. عائشة
2- أن الولي من الولي، وهو القرب، فيحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه.
[ ص: 153 ] 3- وقياسا على الحج الواجب، حيث لا يتوقف فعله عن الغير على الإذن، فكذا الصوم.
الفرع الثاني: إذا جاز ذلك، وإن حصلت مشاحة، قسمت عليهم الأيام الواجب صيامها على قدر إرثهم من الميت، وذلك قطعا للنزاع، وإبراء لذمة الميت. اتفقت الورثة على أن يصوم -عن ميتهم- واحد منهم
الفرع الثالث: صوم جماعة في وقت واحد عن شخص واحد.
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجزئ.
وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.
قال النووي: « هذه المسألة مما لم أر لأصحابنا كلاما فيها، وقد ذكر في صحيحه عن البخاري أنه يجزئه، وهذا هو الظاهر الذي نعتقده». الحسن البصري
(300) قال الحسن: «إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا أجزأه».
[ ص: 154 ] (301) وروى عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن ليث، أن امرأة ماتت وعليها صوم سنة، وتركت زوجها وبنيها ثلاثة، قال طاوس صوموا عنها سنة كلكم. طاوس:
ويظهر -والله أعلم- أنه اختيار البخاري.
واستدلوا بما يلي:
1- إن المقصود يحصل به مع إنجاز إبراء الذمة.
2- قياسا على ما لو كان عليه حج إسلام، وحج نذر، وحج قضاء، فاستؤجر عنه ثلاثة كل لواحد في سنة واحدة جاز.
القول الثاني: لا يجزئ، بل يصوم واحد، قياسا على الحجة المنذورة، تصح النيابة فيه من واحد لا من جماعة.
وهو رواية عند الحنابلة.
والأقرب -والله أعلم- إجزاء صوم جماعة في وقت واحد عن شخص واحد; لقوة دليله.
الفرع الرابع: صوم الجماعة عن صوم شرط فيه التتابع.
اختلف الفقهاء فيه على قولين: إذا صام جماعة عن صوم شرط فيه التتابع كصوم الكفارة، فهل يجزئ؟
القول الأول: يجزئ.
[ ص: 155 ] وقال به الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة.
واستدلوا بما يلي:
1- في مطالب أولي النهى: «لحصول المقصود به، مع إنجاز إبراء ذمته، وظاهره ولو كان متتابعا; لأن الذي يضر في التتابع التفرق، والمعية لا تفريق فيها، بل هي أقوى اتصالا من التتابع».
2- إن التتابع إنما وجب في حق الميت لمعنى لا يوجد في حق القريب، وهو التغليظ عليه، ولأن التتابع التزام صفة زائدة على أصل الصوم، فسقطت بموته.
3- إن المفرد الذي يقضي عن الميت لا يلزمه التتابع في الصوم الذي وجب متتابعا على الميت كالكفارة ونحوها; لانقطاع التتابع بالموت، فكذا صوم الجماعة.
4- إن التتابع قد ينقطع حتى في صوم الواحد، فلو شرط في حق النائب التتابع، كما في حق الميت لوقع في حرج وضيق، ولما قبل أحد النيابة في الصوم عن الميت.
القول الثاني: لا يجزئ.
[ ص: 156 ] وقال به: الحنابلة في رواية، وهو اختيار ابن حجر من الشافعية.
وحجته: فقد شرط التتابع، وبالتالي يلزم في هذه الحالة أن يصوم واحد حتى يتحقق التتابع.
والأقرب -والله أعلم- إجزاء صوم الجماعة عن صوم شرط فيه التتابع; لقوة دليله.
ووجه ذلك: أن المقصود يحصل بهذا الفعل مع إنجاز إبراء ذمة الميت، وهو من مقاصد الشرع المطهر.
* * *