القسم الثالث: التصرف بتغيير الموصي به بما يزيل اسمه:
إذا تصرف الموصي بتغيير الموصى به بما يزيل اسمه، فهذا يعتبر رجوعا; لدلالة ذلك على إرادة الموصي بطلان الوصية، ولأنه لا يقع على العين المذكورة الاسم الذي أوصى به.
[ ص: 470 ] فالموصي مثلا: إذا أوصى بخشب فجعله بابا ، فإنه لم يبق بعد هذا التصرف ما يطلق عليه خشبا، وكذلك الثوب الموصى به إذا جعله قميصا، لم يبق بعد هذا التصرف الثوب الذي أوصى به.
إذا كان الموصى به ثوبا فقطعه الموصي قميصا، أو صبغه، أو قصره ، أو كان خشبا فجعله بابا، أو عرصة فبناها دارا، أو شاة فذبحها، أو خبزا فجعله فتيتا، أو حنطة فطحنها، أو دقيقا فعجنه ، أو عجينا فخبزه، أو شاة فذبحها، أو بيضا فأحضنه نحو دجاج ليفترخ، أو غزلا فنسجه، أو فضة فصاغها خاتما، أو حديدا فصاغه سيفا.
لأن الموصى به تغير شكله واسمه، فلا يتناوله لفظ الوصية.
في تحفة الفقهاء: « فإذا فعل بعد الوصية في الموصى به ما يدل على إبقاء الملك فيه لنفسه، فيكون رجوعا، كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه وخاطه، ونظائره كثيرة » .
قال الكاساني: « ولو أوصى بقميص ثم نقضه فجعله قباء فهو رجوع; لأن الخياطة في ثوب غير منقوض دليل الرجوع، فمع النقض أولى » .
قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: « مسألة: ولو أوصى له بغزل [ ص: 471 ] فحاكه ثوبا، فقد روى عن ابن المواز هو رجوع عن الوصية ، قال ابن القاسم: لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى فيه فتبطل الوصية » . أشهب:
وفي التاج والإكليل لمختصر خليل: « لو أوصى بغزل فحاكه ثوبا، أو برداء فقطعه قميصا فهو رجوع.
وقاله وزاد: أو بفضة فصاغها خاتما أو بشاة ثم ذبحها، فهو كله رجوع; لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى به. أشهب
قال: وكذا قطن ثم حشى به أو غزله.
(وصوغ فضة ) تقدم قول وبفضة فصاغها (وحشو قطن ) تقدم قول أشهب: وكذا بقطن ثم حشى به. أشهب:
(وذبح شاة ) تقدم قول أو بشاة ثم ذبحها (وتفصيل شقة ) تقدم قول أشهب: أو بردا فقطعه قميصا » . ابن القاسم:
وقال النووي: « فرع: أوصى بحنطة فطحنها، أو جعلها سويقا، أو بذرها، أو بدقيق فعجنه ، بطلت الوصية، وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين; أحدهما: زوال الاسم، والثاني: إشعاره بإعراضه عن الوصية.
ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الأول إلى -رحمه الله-، والثاني إلى الشافعي أبي إسحاق، فلو حصلت هذه الأحوال بغير إذن الموصي، فقياس المعنى الأول بطلان الوصية، وقياس الثاني بقاؤها، ونقل بعضهم وجهين في بعضها، والباقي ملحق به، وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة فذبحها، أو بعجين فخبزه، لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق، فإن العجين يفسد لو ترك، فلعله قدم إصلاحه وحفظه على الموصى له، وألحق العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه، أو بيض فأحضنه دجاجة، ولك أن [ ص: 472 ] تقول: قياس المعنى الأول أن لا يكون الدبغ رجوعا لبقاء الاسم، وكذا الإحضان إلى أن يتفرخ.
ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا، فرجوع على الأصح كما لو ثرده، ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم، ثم قدده، ولو طبخه أو شواه، فرجوع قطعا ، ولو أوصى برطب فتمره فوجهان: الأشبه أنه ليس برجوع، وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد، ولو أوصى بقطن فغزله فرجوع، أو بغزل فنسجه، فرجوع على الصحيح، ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة، فرجوع على الأصح » .
قال في المغني: « وإن وصى بحب ثم طحنه، أو بدقيق فعجنه ، أو بعجين فخبزه، أو بخبز ففته، أو جعله فتيتا كان رجوعا; لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، فدل على رجوعه » . ابن قدامة
وفي شرح منتهى الإرادات: « أو أزال اسمه فطحن الحنطة، أو خبز الدقيق الموصى به، أو جعل الخبز فتيتا، أو نسج الغزل، أو عمل الثوب قميصا، أو ضرب النقرة دراهم، أو ذبح الشاة، أو بنى الحجر أو الآجر الموصى به، أو غرس نوى موصى به فصار شجرا، أو نجر الخشبة بابا أو كرسيا أو دولابا ونحوه، أو أعاد دارا انهدمت، أو جعلها حماما أو نحوه فرجوع; لأنه دليل لاختيار الرجوع، وكذا لو كسر السفينة وصار اسمها خشبا.