باب بيان ما يجوز من الكذب
اعلم أن الكذب ، وإن كان أصله محرما ، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار ومختصر ذلك : أن الكلام وسيلة إلى المقاصد ، فكل [ ص: 360 ] مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه ، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا ، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا . فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله ، أو أخذ ماله وأخفى ماله ، وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه ، وكذا لو كان عنده وديعة ، وأراد ظالم أخذها ، وجب الكذب بإخفائها . والأحوط في هذا كله أن يوري . ومعنى التورية : أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه ، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب . ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب ، فليس بحرام في هذا الحال .
واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : متفق عليه . ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ، أو يقول خيرا .
زاد . في رواية : قالت مسلم أم كلثوم : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث : تعني الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها .