مسألة ذهب القاشاني والنهرواني إلى لأجل إجماع الصحابة ، الإقرار بالقياس
لكن خصصوا ذلك بموضعين أحدهما : أن تكون العلة منصوصة كقوله { } و { حرمت الخمر لشدتها } فإنها من الطوافين عليكم والطوافات
الثاني : الأحكام المعلقة بالأسباب ، كرجم ماعز لزناه ، وقطع سارق رداء صفوان .
وكأنهم يعنون بهذا الجنس تنقيح مناط الحكم ويعترفون به . قلنا : هذا المذهب يمكن تنزيله على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن يشترطوا مع هذا أن يقول : " وحرمت كل مشارك للخمر في الشدة " ويقول : في رجم ماعز " وحكمي على الواحد حكمي على الجماعة " فهذا ليس قولا بالقياس بل بالعموم فلا يحصل هذا التفصي به عن عهدة الإجماع المنعقد من الصحابة على القياس .
الثاني : أن لا يشترط هذا ولا يشترط أيضا ورود التعبد بالقياس ، فهذه زيادة علينا وقول بالقياس حيث لا نقول به كما رددناه على النظام
الثالث : أن يقول " مهما ورد التعبد بالقياس جاز الإلحاق بالعلة المنصوصة " فهذا قول حق في الأصل خطأ في الحصر ، فإنه قصر طريق إثبات علة الأصل على النص ، وليس مقصورا عليه بل بما دل عليه السبر والتقسيم أو دليل آخر وما لم يدل عليه دليل فنحن لا نجوز [ ص: 303 ] الحكم في الفرع والأصل ولا فرق بين دليل ودليل ، فإن قيل : إذا كانت العلة منصوصة كان الحكم في الفرع معلوما ولم يكن مظنونا ، وحصل الأمن من الخطأ ، وإن كانت مستنبطة لم يؤمن الخطأ . قلنا : أخطأتم في طرفي الكلام حيث ظننتم حصول الأمن بالنص وإمكان الخطأ عند عدم النص ، فإنه وإن نص على شدة الخمر فلا نعلم قطعا أن شدة النبيذ في معناها بل يجوز أن يكون معللا بشدة الخمر خاصة إلا أن يصرح ويقول : " يتبع الحكم مجرد الشدة في كل محل " فيكون ذلك لفظا عاما ولا يكون حكما بالقياس فلا يحصل التفصي عن عهدة الإجماع ، وإذا لم يصرح فنحن نظن أن النبيذ في معناه ولا نقطع ، فللظن مثاران في العلة المستنبطة : أحدهما : أصل العلة ، والآخر : إلحاق الفرع بالأصل ، فإنه مشروط بانتفاء الفوارق ; وفي العلة المنصوصة مثار الظن واحد وهو إلحاق الفرع ; لأنه مبني على الوقوف على جميع أوصاف علة الأصل ، وإنه الشدة بمجردها دون شدة الخمر ، وذلك لا يعلم إلا بنص يوجب عموم الحكم ويدفع الحاجة إلى القياس .
أما قوله في العلة المستنبطة " إنه لا يؤمن فيها الخطأ " فهذا لا يستقيم على مذهب من يصوب كل مجتهد ، إذ شهادة الأصل للفرع ، كشهادة العدل عند القاضي ، والقاضي في أمن من الخطأ وإن كان الشاهد مزورا ; لأنه لم يتعبد باتباع الصدق بل باتباع ظن الصدق ، وكذلك ههنا لم يتعبد باتباع العلة بل ظن العلة وقد تحقق الظن . نعم هذا الإشكال متوجه على من يقول : المصيب واحد ; لأنه لا يأمن الخطأ ، ولا دليل يميز الصواب عن الخطأ ، إذ لو كان عليه دليل لكان آثما إذا أخطأ كما في العقليات . ثم نقول :
إنما حملهم على الإقرار بهذا القياس إجماع الصحابة ولم يقتصر قياسهم على العلة المنصوصة ، إذ قاسوا في قوله " أنت علي حرام " وفي مسألة الجد والأخوة ، وفي تشبيه حد الشرب بحد القذف لما فيه من خوف الافتراء والقذف أوجب ثمانين جلدة ; لأنه نفس الافتراء لا الخوف من الافتراء ، ولكنهم رأوا الشارع في بعض المواضع أقام مظنة الشيء مقام نفسه فشبهوا هذا به بنوع من الظن هو في غاية الضعف ، فدل أنهم لم يطلبوا النص ولا القطع بل اكتفوا بالظن . ثم نقول :
إذا جاز القياس بالعلة المعلومة فلنلحق بها المظنونة في حق العمل كما التحق رواية العدل بالتواتر وشهادة العدل بشهادة النبي عليه السلام المعصوم والقبلة المظنونة بالقبلة المعاينة ، وهذا فيه نظر ; لأنا وإن أثبتنا خبر الواحد وقول الشهادة بأدلة قاطعة فقول الشرع الظن في موضع لا يرخص لنا في قياس ظن آخر عليه . بل لا بد من دليل على القياس المظنون كما في خبر الواحد وغيره .