مسألة : إن قال قائل : إن لم يجب تقليدهم فهل يجوز تقليدهم ؟
قلنا : أما العامي فيقلدهم وأما العالم فإنه إن جاز له تقليد العالم جاز له تقليدهم ، وإن حرمنا تقليد العالم للعالم فقد اختلف قول رحمه الله في الشافعي ، فقال ، في القديم : يجوز تقليد الصحابي إذا قال قولا وانتشر قوله ولم يخالف ، وقال في موضع آخر : يقلد ، وإن لم ينتشر ، ورجع في الجديد إلى أنه لا يقلد العالم صحابيا كما لا يقلد عالما آخر ، ونقل تقليد الصحابة عنه ذلك وأن العمل على الأدلة التي بها يجوز للصحابة الفتوى . المزني
وهو الصحيح المختار عندنا إذ كل ما دل على تحريم تقليد العالم للعالم كما سيأتي في كتاب الاجتهاد لا يفرق فيه بين الصحابي وغيره . فإن قيل : كيف لا يفرق بينهم مع ثناء الله تعالى وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم حيث قال تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وقال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } وقال صلى الله عليه وسلم { خير الناس قرني } إلى غير ذلك . أصحابي كالنجوم قلنا هذا كله ثناء يوجب حسن الاعتقاد في علمهم ودينهم ومحلهم عند الله تعالى ، ولا يوجب تقليدهم لا جوازا ولا وجوبا فإنه صلى الله عليه وسلم أثنى أيضا على آحاد الصحابة ولا يتميزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه كقوله صلى الله عليه وسلم { لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح } وقال صلى الله عليه وسلم : { وقلبه يقول الحق ، وإن كان مرا عمر } وقال إن الله قد ضرب بالحق على لسان : { لعمر } { والله ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك وقال صلى الله عليه وسلم في قصة أسارى بدر حيث نزلت الآية على وفق رأي لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر عمر } وقال صلى الله عليه وسلم : { إن منكم لمحدثين وإن لمنهم عمر } وكان رضي الله عنه وغيره من الصحابة يقولون : ما كنا نظن إلا أن ملكا بين عينيه يسدده وأن ملكا ينطق على لسانه وقال صلى الله عليه وسلم في حق علي : { علي حيث دار علي } وقال صلى الله عليه وسلم : { اللهم أدر الحق مع وأفرضكم علي زيد وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل } وقال عليه السلام : { أقضاكم ابن أم عبد } وقال عليه السلام رضيت لأمتي ما رضي لأبي بكر { وعمر لو اجتمعا على شيء ما خالفتهما } وأراد في مصالح الحرب ، وكل ذلك ثناء لا يوجب الاقتداء أصلا .