[ ص: 349 ] [ ص: 350 ] ذكر رضا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان
رضي الله عنه عند خروجه من الدنيا
6917 أخبرنا حدثنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا أبو الوليد الطيالسي عن أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عمرو بن ميمون رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام عمر بن الخطاب بالمدينة وقف على ، حذيفة بن اليمان ، فقال : أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمرا هي له مطيقة ، وما فيها كثير فضل ، فقال : انظرا أن لا تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ فقالا : لا ، فقال : لئن سلمني الله لأدعن أرامل وعثمان بن حنيف أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي ، قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب .
قال : وإني لقائم ما بيني وبينه إلا عمرو بن ميمون غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا ، قال : استووا ، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم ، فكبر ، قال : وربما قرأ سورة يوسف أو النحل في الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، قال : فما كان إلا أن كبر ، فسمعته يقول : قتلني الكلب - أو أكلني الكلب - حين طعنه وطار العلج بسكين ذي طرفين ، [ ص: 351 ] لا يمر على أحد يمينا وشمالا إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا ، فمات منهم تسعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين ، طرح عليه برنسا ، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ، وأخذ عبد الله بن عباس بيد عمر فقدمه ، فأما من يلي عبد الرحمن بن عوف فقد رأى الذي رأيت ، وأما نواحي المسجد ، فإنهم لا يدرون ما الأمر ، غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فصلى عمر عبد الرحمن بالناس صلاة خفيفة .
فلما انصرفوا ، قال : يا ، انظر من قتلني ؟ فجال ساعة ، ثم قال : غلام ابن عباس ، فقال : قاتله الله ، لقد كنت أمرته بمعروف ، ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج المغيرة بن شعبة بالمدينة ، وكان أكثرهم رقيقا ، فاحتمل إلى بيته ، فكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : نخاف عليه ، وقائل يقول : لا بأس : فأتي بنبيذ ، فشرب منه ، فخرج من جرحه ، ثم أتي بلبن ، فشرب منه ، فخرج من جرحه ، فعرفوا أنه ميت . العباس
[ ص: 352 ] وولجنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء رجل شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله ، قد كان لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم الإسلام ما قد عملت ، ثم استخلفت ، فعدلت ، ثم شهادة ، قال : يا ابن أخي ، وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي ، فلما أدبر الرجل إذا إزاره يمس الأرض ، فقال : ردوا علي الغلام ، فقال : يا ابن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك يا عبد الله ، انظر ما علي من الدين ، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا ، فقال : إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي بن كعب ، فإن لم يف بأموالهم ، فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم .
اذهب إلى أم المؤمنين عائشة ، فقل لها يقرأ عليك السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإني لست للمؤمنين بأمير ، فقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، فسلم عمر بن الخطاب عبد الله ، ثم استأذن ، فوجدها تبكي ، فقال لها : يستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : والله كنت أردته لنفسي ، ولأوثرنه اليوم على نفسي ، فجاء فلما أقبل قيل هذا عمر بن الخطاب عبد الله قد جاء ، فقال : ارفعاني ، فأسنده إليه رجل فقال : ما قالت ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، قد أذنت لك ، قال : الحمد لله ، [ ص: 353 ] ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضطجع ، فإذا أنا قبضت فسلم ، وقل : يستأذن ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين . عمر بن الخطاب
ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها ، فلما رأيناها ، قمنا ، فمكثت عنده ساعة ، ثم استأذن الرجال فولجت داخلا ، ثم سمعنا بكاءها من الداخل .
فقيل له : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف ، قال : ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ؛ فسمى ، عليا ، وطلحة ، وعثمان ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف وسعدا رضي الله عنهم ، قال : وليشهد ، وليس له من الأمر شيء ، كهيئة التعزية له ، فإن أصاب الأمر عبد الله بن عمر سعدا ، فهو ذلك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة .
ثم قال : أوصي الخليفة بعدي بتقوى الله ، وأوصيه بالمهاجرين الأولين ، أن يعلم لهم فيئهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، [ ص: 354 ] وأوصيه بالأنصار خيرا ، الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ، ويعفى عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فإنهم ردء الإسلام ، وجباة المال ، وغيظ العدو ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضا ، وأوصيه بالأعراب خيرا ، إنهم أصل العرب ، ومادة الإسلام أن يؤخذ منهم من حواشي أموالهم ، فيرد في فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله ، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم .
فلما توفي رضوان الله عليه ، خرجنا به نمشي ، فسلم : فقال : يستأذن عبد الله بن عمر ، فقالت : أدخلوه ، فأدخل ، فوضع هناك مع صاحبيه ، فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط ، فقال عمر : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : قد جعلت أمري إلى الزبير ، وقال علي سعد : قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن ، وقال : قد جعلت أمري إلى طلحة ، فجاء هؤلاء الثلاثة : عثمان ، علي ، وعثمان ، فقال وعبد الرحمن بن عوف عبد الرحمن للآخرين : أيكما يتبرأ من هذا الأمر ، ويجعله إليه ، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه ، وليحرصن على صلاح الأمة ، قال : فأسكت الشيخان علي ، فقال وعثمان عبد الرحمن : اجعلوه إلي ، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم ، قالا : نعم ، فجاء بعلي فقال : لك من القدم والإسلام والقرابة ما قد [ ص: 355 ] علمت ، آلله عليك لئن أمرتك لتعدلن ، ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن ؟ ثم جاء بعثمان ، فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق ، قال لعثمان : ارفع يدك فبايعه ، ثم بايعه ، ثم ولج أهل الدار فبايعوه علي . أنه رأى