4387 4388 4389 4390 ص: وتأولوا هذه الآية على غير هذا التأويل:

فحدثنا يونس ، قال: أنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، -رضي الله عنه-: " أن اليهود قالوا: من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول، فأنزل الله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . .

حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: ثنا سفيان الثوري ، أن محمد بن المنكدر حدثه، عن جابر بن عبد الله، مثله.

حدثنا محمد بن زكريا أبو شريح ، قال: ثنا الفريابي ، قال: ثنا سفيان الثوري ، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب ، قال: ثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال: "قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول، فذكر ذلك، النبي -عليه السلام- ثم ذكر مثله.

قالوا: فإنما كان من قول اليهود ما ذكرنا، فأنزل الله -عز وجل- دفعا لقولهم وإباحة للوطء في الفرج من الدبر والقبل جميعا.

[ ص: 436 ]

التالي السابق

الشرح

[ ص: 436 ] ش: أَيْ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ عَلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَالْمَعْنَى: أَوَّلُوهُ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ مُسْتَقْبِلِينَ أَوْ مُسْتَدْبِرِينَ وَلَكِنْ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ وَهُوَ الْفَرَجُ خَاصَّةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا قَالُوا: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ بَارِكَةً جَاءَ الْوَلَدَ أَحْوَلَ، أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ دَفْعًا لِقَوْلِهِمْ وَإِنْكَارًا عَلَيْهِمْ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ كَذِبَهُمْ، وَإِبَاحَةَ الْوَطْءِ فِي الْفَرَجِ سَوَاءً كَانَ مِنْ جِهَةِ الدُّبُرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْقُبُلِ، فَحِينَئِذٍ تَقْتَصِرُ إِبَاحَةُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَيَبْقَى الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ حَرَامًا كَمَا كَانَ قَبْلُ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَكُمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. قُلْنَا: نَعَمْ، هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ، وَلَكِنْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، فَأَخْرَجَتِ الْآيَةَ عَنْ عُمُومِهَا وَاقْتَصَرَتْهَا عَلَى إِبَاحَةِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلَكِنْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ، وَهِيَ أَنْ يُقَالَ: نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ عَنِ النَّسَائِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- شَيْءٌ فِي تَحْرِيمِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَلَا فِي إِبَاحَتِهِ.

قُلْتُ: عَدَمُ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ إِنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيثَ جَابِرٍ مِنْ أَرْبَعِ طُرُقٍ صِحَاحٍ:

الْأَوَّلُ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ... إِلَى آخِرِهِ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: "كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ".

الثَّانِي: أَيْضًا رِجَالُهُ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

[ ص: 437 ] وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: "إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ "يَقُولُونَ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ".

الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْقُضَاعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ... إِلَى آخِرِهِ.

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: نَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: "إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ".

الرَّابِعُ: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ... إِلَى آخِرِهِ.

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنًّى، قَالَ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ".

[ ص: 436 ] ش: أي وتأول هؤلاء الآخرون قوله تعالى: فأتوا حرثكم أنى شئتم على غير التأويل الذي تأوله أهل المقالة الأولى والمعنى: أولوه فأتوا حرثكم أنى شئتم مستقبلين أو مستدبرين ولكن في موضع الحرث وهو الفرج خاصة؛ وذلك لأن اليهود لما قالوا: من أتى امرأته باركة جاء الولد أحول، أنزل الله -عز وجل- فأتوا حرثكم أنى شئتم دفعا لقولهم وإنكارا عليهم، فبين الله تعالى في ذلك كذبهم، وإباحة الوطء في الفرج سواء كان من جهة الدبر أو من جهة القبل، فحينئذ تقتصر إباحة الوطء في الفرج، ويبقى الوطء في الدبر حراما كما كان قبل.

ولقائل أن يقول: إن القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. قلنا: نعم، هذه هي القاعدة، ولكن وردت أحاديث كثيرة، فأخرجت الآية عن عمومها واقتصرتها على إباحة الوطء في الفرج، ولكن على أي وجه كان، من أي شيء كان، وفيه مناقشة، وهي أن يقال: نقل عن الشافعي ثم عن النسائي أيضا أنه لم يصح عن النبي -عليه السلام- شيء في تحريم إتيان النساء في أدبارهن ولا في إباحته.

قلت: عدم الصحة عندهما لا ينافي الصحة عند غيرهما. والله أعلم.

ثم إنه أخرج حديث جابر من أربع طرق صحاح:

الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ... إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": نا سفيان بن عيينة ، عن ابن المنكدر، سمع جابرا يقول: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول، فنزلت: نساؤكم حرث لكم ".

الثاني: أيضا رجاله كلهم رجال الصحيح.

[ ص: 437 ] وأخرجه البخاري ومسلم كلاهما من حديث سفيان ، عن ابن المنكدر، سمعت جابرا يقول: "إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل الله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " وفي لفظ للبخاري "يقولون: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول".

الثالث: عن أبي شريح محمد بن زكريا بن يحيى القضاعي ، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ... إلى آخره.

وأخرجه أبو داود: نا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: نا سفيان ، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا يقول: "إن اليهود تقول: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها كان الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل-: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم ... إلى آخره.

وأخرجه مسلم: نا محمد بن مثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر -رضي الله عنه-: "أن يهود كانت تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال: فأنزلت: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".