644 645 646 ص: فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية عن النبي -عليه السلام- في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لكل صلاة، إلا أنه قد روي عن النبي -عليه السلام- ما قد تقدم ذكرنا في هذا الباب، فأردنا أن ننظر في ذلك لنعلم ما الذي ينبغي أن نعمل به من ذلك؟ فكان ما روي عن النبي -عليه السلام- مما رويناه في أول هذا الباب: "أنه أمر أم حبيبة بنت جحش بالغسل عند كل صلاة" فقد ثبت نسخ ذلك بما قد رويناه عن النبي -عليه السلام- في الفصل الثاني من هذا الباب في حديث ابن أبي داود عن الوهبي ، في أمر سهلة بنت سهيل؛ ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أمرها بالغسل لكل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح غسلا، فكان ما أمرها به من ذلك ناسخا لما كان أمرها به قبل ذلك من الغسل لكل صلاة، فأردنا أن ننظر فيما روي في ذلك، كيف معناه؟ فإذا عبد الرحمن بن القاسم قد روى عن أبيه في المستحاضة التي استحيضت في عهد النبي -عليه السلام- فاختلف عن عبد الرحمن في ذلك؛ فروى الثوري عنه، عن أبيه، عن : أن النبي -عليه السلام- أمرها بذلك، وأن تدع الصلاة أيام أقرائها" . ورواه زينب بنت جحش: " ابن عيينة ، عن عبد الرحمن أيضا، عن أبيه، ولم يذكر زينب، ، إلا أنه وافق الثوري في معنى متن الحديث، فكان ذلك على الجمع بين كل صلاتين بغسل في أيام المستحاضة خاصة.
فثبت بذلك أن أيام الحيض كان موضعها معروفا، ثم جاء شعبة فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم، ، عن أبيه، عن كما رواه عائشة، الثوري ، وابن عيينة، ، غير أنه لم يذكر أيام الأقراء، ، وتابعه على ذلك محمد بن إسحاق. .
[ ص: 358 ] فلما روي هذا الحديث كما ذكرنا، واختلفوا فيه، [كشفناه] لنعلم من أين جاء الاختلاف، فكان ذكر أيام الأقراء في حديث القاسم عن زينب ، وليس ذلك في [حديثه عن ، -رضي الله عنها- فوجب أن يجعل روايته عن عائشة زينب غير روايته عن -رضي الله عنها- فكان]، حديث عائشة زينب الذي فيه ذكر الأقراء حديثا منقطعا لا [يثبته] أهل الخبر؛ لأنهم لا يحتجون بالمنقطع، وإنما جاء انقطاعه؛ لأن زينب لم يدركها القاسم، ، ولم يولد في زمنها؛ لأنها توفيت في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهي أول أزواج النبي -عليه السلام- وفاة بعده، وكان حديث هو الذي ليس فيه ذكر الأقراء، ، وإنما فيه: أن النبي -عليه السلام- أمر المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل، على ما في ذلك الحديث، ولم يبين أي مستحاضة هي؛ فقد وجدنا المستحاضة قد تكون على معان مختلفة: عائشة
فمنها: أن تكون مستحاضة قد استمر بها الدم، وأيام حيضها معروفة، فسبيلها أن تدع الصلاة أيام حيضها، ثم تغتسل، وتتوضأ بعد ذلك.
ومنها: أن تكون مستحاضة؛ لأن دمها قد استمر بها فلا ينقطع عنها، وأيام حيضها قد خفيت عليها، فسبيلها أن تغتسل لكل صلاة؛ لأنه لا يأتي عليها وقت إلا احتمل أن تكون فيه حائضا، أو طاهرا من حيض، أو مستحاضة، فيحتاط لها، فتؤمر بالغسل.
ومنها: أن تكون مستحاضة قد خفيت عنها أيام حيضها، ودمها غير مستمر بها، ينقطع ساعة ويعود بعد ذلك، هكذا هي في أيامها كلها، فيكون قد أحاط علمها أنها في وقت انقطاع دمها، إذا اغتسلت حينئذ غير طاهر من حيض طهرا
[ ص: 359 ] يوجب عليها غسلا، فلها أن تصلي في حالها تلك ما أرادت من الصلوات بذلك الغسل إن أمكنها ذلك.
فلما وجدنا المرأة قد تكون مستحاضة بكل وجه من هذه الوجوه التي معانيها مختلفة، وأحكامها مختلفة، واسم المستحاضة يجمعها، ولم نجد في حديث -رضي الله عنها- ذلك تبيان استحاضة تلك المرأة التي أمرها النبي -عليه السلام- بما ذكرنا أي استحاضة هي، لم يجز لنا أن نحمل ذلك على وجه من هذه الوجوه دون غيره إلا بدليل على ذلك. عائشة
فنظرنا في ذلك، هل نجد فيه دليلا؟ فإذا بكر بن إدريس قد حدثنا، قال: أنا قال: نا آدم، قال: نا شعبة، عبد الملك بن ميسرة والمجالد بن سعيد ، قالوا: سمعنا وبيان يحدث عن عامرا الشعبي قمير - امرأة مسروق ، - عن أنها قالت في عائشة: " المستحاضة: تدع الصلاة أيام حيضها، ثم تغتسل غسلا واحدا، وتتوضأ عند كل صلاة".
حدثنا حسين بن نصر وعلي بن شيبة، قالا: حدثنا قال: نا أبو نعيم، ، عن سفيان فراس وبيان ، عن بإسناده. الشعبي
فلما روي عن ما ذكرنا من قولها الذي أفتت به بعد النبي -عليه السلام-، وكان ما ذكرنا من حكم المستحاضة أنها تغتسل لكل صلاة، وما ذكرنا أنها تجمع بين الصلاتين بغسل، وما ذكرنا أنها تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، . وقد روي ذلك كله عنها، ثبت بجوابها ذلك أن ذلك الحكم هو الناسخ للحكمين الآخرين؛ لأنه لا يجوز عندنا عليها أن تدع الناسخ وتفتي بالمنسوخ، ولولا ذلك لسقطت روايتها. عائشة
فلما ثبت أن هذا هو الناسخ؛ لما ذكرنا، وجب القول به، ولم يجز خلافها، هذا وجه قد يجوز أن يكون معاني هذه الآثار عليه.
[ ص: 360 ]