الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وتجمر الأكفان أولا وترا ) ; لأنه { عليه السلام أمر بإجمار أكفان امرأته } والمراد به التطيب قبل أن يدرج فيها الميت وجميع ما يجمر فيه الميت ثلاث مواضع عند خروج روحه لإزالة الرائحة الكريهة وعند غسله وعند تكفينه ، ولا يجمر خلفه ، ولا في القبر ، وفي المجتبى يحتمل أن يريد بالتجمير جمعها وترا قبل الغسل يقال أجمر كذا إذا جمعه ويحتمل أن يريد التطيب بعود يحرق في مجمرة وصرح في البدائع بأنه لا يزيد في تجميرها على خمس ، وفي المجتبى المكفنون اثنا عشر : الرجل والمرأة وقد تقدما ، والثالث المراهق المشتهى ، وهو كالبالغ والرابع المراهقة التي تشتهى ، وهي كالمرأة والخامس الصبي الذي لم يراهق فيكفن في خرقتين إزار ورداء ، وإن كفن في واحد أجزأ والسادس الصبية التي لم تراهق فعن محمد كفنها ثلاثة وهذا أكثر والسابع السقط فيلف ، ولا يكفن كالعضو من الميت والثامن الخنثى المشكل فيكفن كتكفين الجارية وينعش ويسجى قبره والتاسع الشهيد وسيأتي والعاشر المحرم ، وهو كالحلال عندنا ، والحادي عشر المنبوش الطري فيكفن كالذي لم يدفن والثاني عشر المنبوش المتفسخ فيكفن في ثوب واحد ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المصنف من يجب عليه الكفن ، وهو من ماله إن كان له مال يقدم على الدين والوصية والإرث إلى قدر السنة ما لم يتعلق بعين ماله حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض والعبد الجاني فلو نبش عليه وسرق كفنه ، وقد قسم الميراث أجبر القاضي الورثة على أن يكفنوه من الميراث ، وإن كان عليه دين ، فإن لم يكن قبض الغرماء بدأ بالكفن ; لأنه بقي على ملك الميت والكفن مقدم على الدين ، وإن كانوا قبضوا لا يسترد منهم ; لأنه زال ملك الميت بخلاف الميراث ; لأن ملك الوارث عين ملك المورث حكما ; ولهذا يرد عليه بالعيب فصار ملك المورث قائما ببقاء خلفه ، واستثنى أبو يوسف الزوجة فإن كفنها على زوجها لكن اختلفت العبارات في تحرير مذهب أبي يوسف ففي فتاوى قاضي خان والخلاصة والظهيرية ، وعلى قول أبي يوسف يجب الكفن على الزوج ، وإن تركت مالا ، وعليه الفتوى ا هـ .

                                                                                        وكذا في المجتبى وزاد ، ولا رواية فيها عن أبي حنيفة ، وفي المحيط والتجنيس والواقعات وشرح المجمع للمصنف إذا لم يكن لها مال فكفنها على الزوج عند أبي يوسف ، وعليه الفتوى ; لأنه لو لم يجب عليه لوجب على الأجانب ، وهو بيت المال وهو قد كان أولى بإيجاب الكسوة عليه حال حياتها فرجح على سائر الأجانب وقال محمد يجب تجهيزها في بيت المال ، وقيد شارح المجمع بيسار الزوج عند أبي يوسف فظاهره أنه إذا كان لها مال فكفنها في مالها اتفاقا

                                                                                        والظاهر ترجيح ما في الفتاوى الخانية ; لأنه ككسوتها والكسوة واجبة عليه غنية كانت أو فقيرة غنيا كان أو فقيرا وصححه الولوالجي في فتاواه من النفقات ، فإن لم يكن للميت مال فكفنه على من تجب عليه نفقته وكسوته في حياته وكفن العبد [ ص: 192 ] على سيده والمرهون على الراهن والمبيع في يد البائع عليه ، فإن لم يكن له من تجب النفقة عليه فكفنه في بيت المال ، فإن لم يكن فعلى المسلمين تكفينه ، فإن لم يقدروا سألوا الناس ليكفنوه بخلاف الحي إذا لم يجد ثوبا يصلي فيه ليس على الناس أن يسألوا له ثوبا والفرق أن الحي يقدر على السؤال بنفسه والميت عاجز ، فإن سألوا له وفضل من الكفن شيء يرد إلى المتصدق ، وإن لم يعلم يتصدق به على الفقراء اعتبارا بكسوته كذا في المجتبى وفي التجنيس والواقعات إذا لم يعلم المتصدق يكفن به مثله من أهل الحاجة ، وإن لم يتيسر يصرف إلى الفقراء وفيهما لو كفن ميتا من ماله ثم وجد الكفن فله أن يأخذه ، وهو أحق به ; لأن الميت لم يملكه وفيهما حي عريان وميت ومعهما ثوب واحد ، فإن كان للحي فله لبسه ، ولا يكفن به الميت ; لأنه محتاج إليه ، وإن كان ملك الميت والحي وارثه يكفن به الميت ولا يلبسه ; لأن الكفن مقدم على الميراث وإذا تعدد من وجبت النفقة عليه على ما يعرف في النفقات فالكفن عليهم على قدر ميراثهم كما كانت النفقة واجبة عليهم ، ولو مات معتق شخص ، ولم يترك شيئا ، وله خالة موسرة يؤمر معتقه بتكفينه وقال محمد على خالته وفي الخانية من لا يجبر على النفقة في حياته كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات لا يجبر على الكفن زاد في الظهيرية ، وإن كان وارثا

                                                                                        وفي البدائع ، ولا يجب على المرأة كفن زوجها بالإجماع كما لا يجب عليها كسوته في الحياة ، وفي القنية ، ولو مات ولا شيء له وجب كفنه على ورثته فكفنه الحاضر من مال نفسه ليرجع على الغائب منهم بحصتهم ليس له الرجوع إذا أنفق عليه بغير إذن القاضي قال محمد رحمه الله كالعبد أو الزرع أو النخل بين شريكين أنفق أحدهما عليه ليرجع على الغائب لا يرجع إذا فعله بغير إذن القاضي ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفي المجتبى يحتمل أن يريد إلخ ) قال في النهر وبعده لا يخفى على أن ظاهره أنه لا يجمعها قبل الغسل إلا في حال كونه وترا فيخرج منه كفن الكفاية للرجل ، وعليه فيحتاج إلى الفرق ( قوله فظاهره أنه إذا كان لها مال إلخ ) كان حق التعبير أن يقال فظاهره أنه إذا لم يمكن له مال لا يلزمه كفنها اتفاقا وعبارة شرح المجمع لمصنفه قال أبو يوسف إذا ماتت الزوجة ، ولا مال لها فتجهيزها وتكفينها على الزوج الموسر إلخ ( قوله ; لأنه ككسوتها إلخ ) مقتضاه أنها لو كانت ناشزة قبل الموت لم يجب عليه كفنها ; لأن كسوتها في حياتها لا تجب عليه فكذا بعد موته كما بحثه المحقق ابن أمير حاج في شرح المنية حيث قال ينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم يقم بها مانع الوجوب عليه حالة الموت من نشوز أو صغر مع كبره ونحو ذلك . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وصححه الولوالجي في فتاواه من النفقات ) أقول : الذي رأيته في نفقات الولوالجية هكذا إذا ماتت المرأة ، ولا مال لها قال أبو يوسف يجبر الزوج على كفنها والأصل فيه أن من يجبر على نفقته في حال حياته يجبر على نفقته بعد موته كذوي الأرحام والعبد مع المولى والزوجة مع الزوج وقال محمد لا يجبر الزوج على كفنها والصحيح قول أبي يوسف ; لأن المولى إنما يجبر على تكفين العبد ; لأنه كان أولى به في حال حياته فيكون أولى بإيجاب الكفن عليه من بين سائر الناس ، وهذا المعنى موجود هنا . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 192 ] لما كان الزوج يجبر على نفقة زوجته في حياتها ، وإن كان هو فقيرا أجبر على كفنها أيضا ( قوله وجب كفنه إلخ ) الذي في القنية ووجب بواوين أولاهما للعطف .




                                                                                        الخدمات العلمية