فلو لم تدل على العموم لفات المطلوب والنكرة في الإثبات تفيد العموم بقرينة تدل عليه كما في قوله تعالى { علمت نفس ما أحضرت } أي كل نفس .
واعلم أن الماء نوعان : مطلق ، ومقيد فالمطلق هو ما يسبق إلى الأفهام بمطلق قولنا ماء ، ولم يقم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة فخرج الماء المقيد والماء المتنجس والماء المستعمل والمطلق في الأصول هو المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا [ ص: 70 ] بالإثبات كماء السماء والعين والبحر والإضافة فيه للتعريف بخلاف الماء المقيد ، فإن القيد لازم له لا يجوز إطلاق الماء عليه بدون القيد كماء الورد ، وقد أجمعوا على جواز واستدلوا به بقوله تعالى { الطهارة بماء السماء وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقد استدل جماعة بقوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وبالحديث الصحيح الذي رواه في الموطإ مالك وأبو داود والترمذي وغيرهم عن والنسائي قال { أبي هريرة } قال سأل سائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته في غير صحيحه هو حديث صحيح وقال البخاري : الترمذي : حديث حسن صحيح وأورد أن التمسك بالآية والحديث لا يصح إلا إذا كان الطهور بمعنى المطهر كما هو مذهب الشافعي ، وأما إذا كان بمعنى الطاهر كما هو مذهبنا فلا يمكن الاستدلال ، والدليل على أنه بمعنى الطاهر قوله تعالى { ومالك وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وصفه بأنه طهور ، وإن لم يكن هناك ما يتطهر به
وقال جرير
عذاب الثنايا ريقهن طهور
ومعناه طاهر وأهل العربية على أن الطهور فعول من طهر ، وهو لازم والفعل إذا لم يكن متعديا لم يكن الفعول منه متعديا كقولهم نئوم من نام وضحوك من ضحك ، وإذا كان متعديا فالفعول منه كذلك كقولهم قتول من قتل وضروب من ضرب قلنا إنما تفيد هذه الصيغة التطهير من طريق المعنى ، وهو أن هذه الصيغة للمبالغة ، فإن في الشكور والغفور من المبالغة ما ليس في الغافر والشاكر فلا بد أن يكون في الطهور معنى زائد ليس في الطاهر ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار التطهير ; لأن في نفس الطهارة كلتا الصفتين سواء فتكون صفة التطهير له بهذا الطريق لا أن الطهور بمعنى المطهر ، وإليه أشار في الكشاف والمغرب قال وما حكي عن ثعلب أن الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره إن كان هذا زيادة بيان لبلاغته في الطهارة كان سديدا و يعضده قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع ومنوع غير سديد والطهور يجيء صفة نحو : ماء طهورا واسما لما يتطهر به كالوضوء اسم لما يتوضأ به ومصدرا نحو تطهرت طهورا حسناومنه قوله { } أي طهارة فإذا كان بمعنى ما يتطهر به صح الاستدلال ولا يحتاج أن يجعل بمعنى المطهر حيث يلزم جعل اللازم متعديا كذا قرره بعض الشارحين ، وفيه بحث من وجوه : لا صلاة إلا بطهور
الأول : أن الله تعالى وصف شراب أهل الجنة بأعلى الصفات ، وهو التطهير الثاني أن جريرا قصد تفضيلهن على سائر النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب ريقهن وامتيازه على غيره ولا يحمل على طاهر ; لأنه لا مزية لهن في ذلك ، فإن كل النساء ريقهن طاهر بل كل حيوان طاهر اللحم كذلك كالإبل والبقر الثالث أن قوله ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار التطهير قد يمنع بأن المبالغة فيه باعتبار كثرته وجودته في نفسه لا باعتبار التطهير والمراد بماء [ ص: 71 ] السماء ماء المطر والندى والثلج والبرد إذا كان متقاطرا وعن يجوز ، وإن لم يكن متقاطرا والصحيح قولهما وقد استدل على جواز أبي يوسف بما ثبت في الصحيحين عن الطهارة بماء الثلج والبرد رضي الله عنه { أبي هريرة } ولا يجوز بماء الملح ، وهو يجمد في الصيف ، ويذوب في الشتاء عكس الماء . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة الإحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية بماء الثلج والبرد