الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولا تصح بما زاد على الثلث ) فهذه العبارة أولى من عبارة الهداية حيث قال ولا تجوز لأنه يلزم من عدم الصحة عدم الجواز ولا يلزم من عدم الجواز عدم الصحة ، والمراد بعدم الصحة عدم النفاذ حتى لا ينفذ بل يتوقف على الإجازة كما سيأتي إن شاء الله تعالى قال بعض المتأخرين يعني لا يجوز بما زاد على الثلث حتى لا يجوز في حق الفاضل على الثلث بل في حق الثلث فقط لا أنه لا تجوز هذه الوصية أصلا فإن قلت : كيف جاز استعمال اللفظ في بعض مدلولاته دون بعض ، وبأي وجه أمكن ذلك قلت : يجعله في حكم وصايا متعددة بأن يجعل قوله أوصيت لفلان بثلثي مالي في قوة قوله أوصيت له بثلثه دون الزائد والوصية تارة تكون منجزة .

                                                                                        وتارة معلقة بشرط فيجب أن يعلم بأن تعلق الوصية بالشرط جائز ، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف في الإملاء إذا أوصى بثلثه لرجل على أن يحج عنه فهذا جائز إن قبل ذلك الموصى له ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال في وصيته ينفق على فلان كذا ، والموصى له غائب أو مات الموصي ، وهو غائب فهو بمنزلة رد الوصية ولا شيء له ، وكذلك إن قدم فلم يقبل ، وإن قدم ، وقبل فله ما مضى قال أبو يوسف رجل أوصى بثلث ماله لرجل ، وقال إن أبى فهو لفلان فمات الموصى له الأول أو لم يأب فالثلث للأول ، ولو أبى كان للآخر ، ولو قال ثلثي وصية لفلان فإن لم يشأ ذلك فلفلان فهو مثل الأول ، ولو قال ثلثي وصية لفلان إن شاء ، وإن أبى فهو لفلان فمات الموصى له قبل أن يتكلم بشيء فالثلث مردود على الورثة ابن سماعة عن محمد رجل أوصى لرجل بوصية ، وقال إن لم يقبل فلان ما أوصيت له به أو قال إن رد فلان ما أوصيت به فهو لفلان فإذا الموصى له الأول حيا أو كان حيا فمات قبل الموصي ، ولم يعلم بالوصية قال هي للثاني كلها قال إن أسلمت جاريتي هذه فأعتقوها فباعوها قبل أن تسلم ثم أسلمت بعد مضي البيع صح ولا ترد قال أبو حنيفة إذا قال أوصيت أن يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو لفلان فقال فلان لا أقبل الوصية قال يخدم الورثة سنة ثم الموصى له ولا تبطل وصيته للثاني بإباء الأول الخدمة قال أعطوه فلانا بعد السنة فإن مات فلان خدم تمام السنة للورثة ثم يدفع إلى الموصى له بعد تمام السنة .

                                                                                        وقال أبو حنيفة هذه وصية فيها يمين ، وليست المسألة الأولى كهذه إبراهيم بن رستم عن محمد قال أرضي التي في موضع كذا ، وغلامي فلان لأم ولده فيصير ميراثا منها ابن سماعة عن أبي يوسف أوصى أن ينفق على أم ولده ما قامت على ولدها ، وقال إن تزوجت فلا شيء لها فتزوجت ، وطلقها زوجها فرجعت إلى ولدها لم يرد عليها ما كان أوصى به لها ، وقد بطل ، وكذلك إن خرجت من بلادها إلى بلاد أخرى ، ولو خرجت من دارها أو جاء منها شيء يعرف أنها قد تركتهم ، ولم تقم عليهم فلا هذه الدار لك على أن تحج في سبيل الله أو قال هذه الدابة لك على أن تغزوا عليها في سبيل الله قال هي له ، وله أن يصنع بها ما شاء عن أبي يوسف رجل أوصى بثلث ماله [ ص: 462 ] لرجل ، وشرط عليه أن يقضي دينه معناه شرط الموصي على الموصى له أن يقضي دين الموصي فهذا على وجوه إن كان الدين مجهولا أو كان معلوما إلا أن الثلث مجهول فالوصية باطلة ، وإن كان الدين معلوما ، والثلث معلوما فإن لم يكن في الثلث ذهب ولا فضة فهو جائز ، ويجب له الثلث بالدين إذا قبل كما يجب في البيع ، وإن كان في الثلث دراهم إن كان أكثر من الدين فإن هذا لا يجوز من قبيل أن هذا بيع دراهم بدراهم ، وفضل عروض سوى ذلك ، وإن كانت الدراهم التي في الثلث أقل من الدين جاز فإن قبض الثلث ساعة يموت أو قبض الدراهم التي في الثلث ساعة يموت ، وقضى الدين ساعته انتقص ذلك في الدراهم ما يخصه .

                                                                                        وجاز في العروض أوصى بألف درهم على أن يقضي عنه فلانا خمسمائة لا يجوز ، ولو قال على أن يقضي عنه فلانا منها خمسمائة جاز العلاء في نوادر هشام عن أبي يوسف إذا قال إذا مت ، وهذان العبدان في ملكي فهما وصية لفلان فمات أحد العبدين ثم مات الموصي ، والثاني في ملكه فالوصية باطلة ، ولو قال إن مت وفلان وفلان حيان فهذا العبد وصية لهما فمات أحدهما قبل موت الموصي فإن الثاني منهما يعطى نصف العبد قال وإذا أوصى رجل لأمته أن تعتق على أن تتزوج ثم مات الموصي فقالت الأمة لا أتزوج فإنها تعتق ، ويجب أن يعلم بأن الموصي متى علق عتق مملوكه بشيء بعد موته فإنه لا يخلو من وجهين أن يعلقه على فعل غير مؤقت بأن قال هي حرة إن ثبتت على الإسلام بعد موتي أو أوصى أن يعتقوها بعد موته على أن لا تتزوج أو قال هي حرة بعد موتي إن لم تتزوج أو علق عتقه على فعل مؤقت بأن قال إن مكثت مع ولدي شهرا فهي حرة أو قال أعتقوه إن لم يتزوج شهرا فإن علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت حال حياته بأن قال لمملوكه حال حياته إن ثبت مع ولدي أو في هذه الدار شهرا فأنت حرة فثبتت ساعة عتقت ، وكذا إذا علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت بأن أوصى بأن يعتقوها على أن لا تتزوج أو قال إن لم تتزوج إذا قالت بعد موت المولى لا أتزوج فإنها تعتق إذا كانت تخرج من ثلث ماله هكذا وقع في بعض النسخ .

                                                                                        وفي بعض النسخ إذا لم تتزوج يوما أو أقل أو أكثر فإن الوصية لها صحيحة فإن تزوجت بعد ذلك صح نكاحها ولا يبطل عتقها ، ووصيتها ولا يلزمها السعاية في شيء للورثة ، وهذا قول علمائنا الثلاثة قال أوصى لأم ولده بألف درهم على أن تتزوج أو قال إن لم تتزوج إن قالت لا أتزوج بعد موت الموصي فإنه يعطي لها وصيتها فإن تزوجت بعد ذلك لا يسترد الألف منها ، ولو قال ما لم تتزوج شهرا فهو على ما قال لا تستحق وصيتها ما لم تترك التزوج شهرا ، وإذا تزوجت قبل مضي الشهر تبطل وصيتها أوصى لها بألف درهم على أن تثبت مع ولدها فمكثت مع ولدها ساعة استحقت الوصية قال وإذا أوصى لرجل بخادمه على أن يقيم مع ابنته ، ومع ابنه حتى يستغنيا ثم هي حرة فهذا على وجهين فإما كانا كبيرين أو كانا صغيرين فإن كانا كبيرين فإنها تخدم الابنة حتى تتزوج ، وتخدم الابن حتى يتأهل أو يجد ما يشتري به خادما يخدمه فيستغني عن خدمتها ، وإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يبلغا ، وإن مات أحدهما أو ماتا جميعا قبل أن يستغنيا فإن الجارية لا تعتق ، وتبطل الوصية قال إذا أوصى لها بالعتق على أن تتزوج فلانا بعينه فقالت أفعل تعتق من ثلثه ، وبعد هذا إذا أبت أن تزوج نفسها من فلان ، وفلان أجنبي لا شيء عليها قال ولو أوصى بعتق عبد له على أن لا يفارق وارثه أبدا ، وعليه دين يحيط به وبطلت وصيته وبيع في الدين .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية