الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وهي أهل الديوان إن كان القاتل منهم ) تؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين وأهل الديوان هم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان ، وهذا عندنا ، وقال الشافعي على أهل العشيرة لما روينا ، وكان كذلك إلى أيام عمر رضي الله عنه ولا نسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيبقى على ما كان ، ولأنها صلة ، والأقارب أولى بها كالإرث والنفقات ، ولنا أقضية عمر رضي الله عنه فإنه لما دون الدواوين جعل الدية على أهل الديوان بمحضر من الصحابة من غير نكير منهم ، وليس ذلك بنسخ بل هو تقرير معنى لأنه كان على أهل النصرة ، وقد كانت بأنواع [ ص: 456 ] بالحلف والولاء والعدو ، وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان فجعل على أهلها اتباعا للمعنى ، ولهذا قالوا لو كان اليوم يتناصرون بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة ، وإن كانوا بالحلف فأهله ، والدية صلة كما قال لكن إيجابها فيما هو صلة ، وهو العطايا أولا من إيجابها في أصول أموالهم لأنه أحق وما تحملت العاقلة إلا للتخفيف ، والتقدير بثلاث سنين مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحكي عن عمر رضي الله عنه قال رحمه الله ( فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذ منها ) لحصول المقصود لأن المقصود التخفيف .

                                                                                        وقد حصل أقول : فيه بحث ، وهو أن القياس كان يأبى إيجاب المال بمقابلة النفس المحترمة لعدم المماثلة بينهما إلا أن الشرع ورد بذلك كما صرحوا به ، والشرع إنما ورد بإيجابه مؤجلا بثلاث سنين فإنه المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المحكي عن عمر رضي الله عنه كما مر آنفا فينبغي أن يختص التأجيل بثلاث سنين إذ تقرر عندهم أن الشرع الوارد على خلاف القياس يختص بما ورد به ، وسيجيء نظير هذا في الكتاب في تعليل أن ما وجب على القاتل في ماله كما إذا قتل الأب ابنه عمدا ليس بحال عندنا بل مؤجلا بثلاث سنين فتأمل هل يمكن دفعه ، وهذا إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء بالدية ثم خرجت بعد القضاء لا يؤخذ منها لأن الوجوب بالقضاء .

                                                                                        ولو خرجت عطايا ثلاث سنين مستقبلة في سنة واحدة يؤخذ منها كل الدية لأنها بعد الوجوب إذ الوجوب بالقضاء ، وقد حصل المقصود بذلك ، وهو التخفيف ، وإذا كان الواجب ثلث الدية أو أقل يجب في سنة واحدة ، وإذا كان أكثر منه يجب في سنتين إلى تمام الثلثين ثم إذا كان أكثر منه إلى تمام الدية تجب في ثلاث سنين لأن جمع الدية في ثلاث سنين فيكون كل ثلث في سنة ضرورة ، والواجب على القاتل كالواجب على العاقلة حتى تجب في ثلاث سنين ، وذلك مثل الأب إذا قتل ابنه عمدا إذا انقلب القصاص مالا ، ولو قتل عشرة رجلا واحدا خطأ فعلى عاقلة كل واحد منهم عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل ، وهو بدل النفس فيؤجل كل جزء من أجزائه بثلاث سنين ، وأول المدة يعتبر من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي هو الدية والنقل إلى القيمة بالقضاء فتعتبر قيمته من ذلك الوقت

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية