الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا تنقض ضفيرة إن بل أصلها ) أي ولا يجب على المرأة أن تنقض ضفيرتها إن بلت في الاغتسال أصل شعرها والضفيرة بالضاد المعجمة الذؤابة من الضفر ، وهو فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض ولا يقال بالظاء والأصل فيه ما رواه مسلم وغيره عن أم سلمة { قالت : قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين وفي رواية أفأنقضه للحيض والجنابة } وفي حديث عائشة بنحو معناه قال في فتح القدير : ومقتضى هذا الحديث عدم وجوب الإيصال إلى الأصول لكن قال في المبسوط ، وإنما شرط تبليغ الماء أصول الشعر لحديث حذيفة ، فإنه كان يجلس إلى جنب امرأته إذا اغتسلت [ ص: 55 ] ويقول يا هذه أبلغي الماء أصول شعرك وشؤون رأسك وهو مجمع عظام الرأس ذكره القاضي عياض وأورد صاحب المعراج أن حديث أم سلمة معارض للكتاب .

                                                                                        وأجاب تارة بالمنع ، فإن مؤدى الكتاب غسل البدن والشعر ليس منه بل متصل به نظرا إلى أصوله فعلمنا بمقتضى الاتصال في حق الرجال حتى قلنا يجب النقض على الأتراك والعلويين على الصحيح ، ويجب عليها الإيصال إلى أثناء شعرها إذا كان منقوضا لعدم الحرج وبمقتضى الانفصال في حق النساء دفعا للحرج إذ لا يمكنهن حلقه وتارة بأنه خص من الآية مواضع الضرورة كداخل العينين فيخص بالحديث بعده

                                                                                        وأما أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بنقض النساء رءوسهن إذا اغتسلن فيحتمل أنه أراد إيجاب ذلك عليهن في شعور لا يصل الماء إليها أو يكون مذهبا له أنه يجب النقض بكل حال كما هو مذهب النخعي أو لا يكون بلغه حديث أم سلمة وعائشة ويحتمل أنه كان يأمرهن بذلك على الاستحباب والاحتياط لا على الوجوب كذا ذكره النووي في شرح مسلم وفي الهداية ، وليس عليها بل ذوائبها و هو الصحيح وقال بعضهم : يجب بلها ثلاثا مع كل بلة عصرة وفي صلاة البقالي الصحيح أنه يجب غسل الذوائب ، وإن جاوزت القدمين والمختار عدم الوجوب كما صرح به في الجامع الحسامي كما نقله عنه في المضمرات للحصر المذكور في الحديث والحاصل أن في المسألة ثلاثة أقوال :

                                                                                        الأول : الاكتفاء بالوصول إلى الأصول منقوضا كان أو معقوصا ، وهو ظاهر المذهب كما هو ظاهر الذخيرة ، ويدل عليه الأحاديث الواردة في هذا الباب الثاني الاكتفاء بالوصول إلى الأصول إذا كان مضفورا ووجوب الإيصال إلى أثنائه إذا كان منقوضا ومشى عليه جماعة منهم صاحب المحيط والبدائع والكافي الثالث وجوب بل الذوائب مع العصر وصحح كما قدمناه ، ولو ألزقت المرأة رأسها بالصيب بحيث لا يصل الماء إلى أصول الشعر وجب عليها إزالته وثمن ماء غسل المرأة ووضوئها على الزوج ، وإن كانت غنية كذا في فتح القدير فصار كماء الشرب ; لأن هذا مما لا بد منه وظاهره أنه لا فرق بين غسل الجنابة وغيره من الواجب وذكر في السراج الوهاج تفصيلا في غسل الحيض فقال : إذا انقطع لأقل من عشرة فعلى الزوج لاحتياجه إلى وطئها بعد الغسل ، وإن انقطع لعشرة فعليها ; لأنها هي المحتاجة إليه للصلاة وقد يقال إن ما تحتاج إليه المرأة مما لا بد لها منه واجب عليه سواء كان هو محتاجا إليه أو لا فالأوجه إطلاق ما قدمناه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف ولا تنقض ضفيرة إلخ ) قال في النهر بالبناء للمفعول لقوله إن بل أصلها إذ لو بناه للفاعل لقال إن بلت كذا في الشرح وفيه نظر وما المانع من أن يكون الأول مبنيا للفاعل والثاني للمفعول نعم الأنسب كون الفعلين على نسق واحد وفيه إيماء إلى وجوب غسل أثنائها لو كانت منقوضة لعدم الحرج ومن ثم رجح في المعراج وجوب النقض في الأتراك والعلوية ودعوى الحرج فيهما أيضا ممنوعة بقي أن بناءه للمفعول يؤذن بعدم وجوب النقض فيهما أيضا وقد سبق أن الراجح خلافه .

                                                                                        والجواب أن التنوين بدل عن المضاف إليه أي ضفيرة المرأة وحذفها اختصارا كما في الشرح وبهذا علم أن قوله في البحر إن ظاهر الكتاب الاكتفاء بالوصول إلى الأصول ولو منقوضة غير ظاهر ، وإذا لم يجب مع الضفر الوصول إلى الأثناء فالذوائب أولى ، وهو الأصح ، وهذا أولى مما في صلاة البقالي من ترجيح الوجوب ، وإن جاوزت القدمين ا هـ .

                                                                                        والإشارة بقوله وبهذا علم إلخ إلى ما ذكره من الإيماء وتأمل ما المراد بقوله ، وإذا لم يجب مع الضفر إلخ ، فإن الذوائب هي الضفائر وما وجه الأولوية [ ص: 55 ] ( قوله : أبلغي الماء أصول شعرك وشؤون رأسك إلخ ) قال في الحلية والشؤون بضم الشين المعجمة بعدها همزة في الأصل الخطوط التي في عظم الجمجمة ، وهو مجتمع شعب عظامها الواحد شأن والمراد ها هنا أصول شعر رأسها ( قوله : منقوضا كان أو معقوصا ) أي مضفورا قال في القاموس عقص شعره يعقصه ضفره وفتله والعقصة بالكسر العقيصة والضفيرة ( قوله : وهو ظاهر المذهب كما هو ظاهر الذخيرة ) أي أن ظاهر كلام الذخيرة أن هذا هو المذهب قال شارح المنية العلامة ابن أمير حاج الحلبي ، وهذا فيما يظهر من الذخيرة أنه ظاهر المذهب ا هـ .

                                                                                        فما في بعض النسخ من قوله وهو ظاهر المتن غير صحيح بل ظاهر المتن هو القول الثاني ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية