الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه ) أي لو شجه موضحة فذهب أحد هذه الأشياء بها لا يدخل أرش الموضحة في أرش أحد هذه الأشياء ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد سواء كانت عمدا أو خطأ وقال أبو يوسف رحمه الله : يدخل أرش الموضحة في دية السمع والكلام ولا يدخل في دية البصر ; لأنه ظاهر فلا يلحق بالعقل فلا يدخل فيه أرش الموضحة ، وأما السمع والكلام فباطنان فيلحقان بالعقل فيدخل فيهما أرش الموضحة كما يدخل في أرش العقل وقد قدمناه بفروعه ولهما أن كل واحد من هذه المنافع أصل بنفسها فيتعدد حكم الجناية بتعددها ولا يدخل بعضها في بعض ; لأن العبرة لتعدد أثر الفعل لا لاتحاد الفعل بخلاف العقل ; لأن منفعته تعود إلى كل الأعضاء إذ لا ينتفع بالأعضاء بدونه فصار كالنفس قال في معراج الدراية

                                                                                        قال الهندواني كنا نفرق بهذا الفرق حتى رأيت ما ينقضه وهو أنه لو قطع يده فذهب عقله أن عليه دية العقل وأرش اليد بلا خلاف من أحد ولو كان زوال العقل كزوال الروح لما وجب أرش اليد كما لو مات والصحيح من الفرق أن الجناية وقعت على عضو واحد في العقل ووقعت في السمع والبصر على عضوين فلا يدخل . ا هـ .

                                                                                        أقول : كما ينتقض الفرق المذكور في الكتاب بالمسألة التي ذكرها الهندواني كذلك ينتقض ما عده صحيحا من الفرق بتلك المسألة عضوا مغايرا لعضو اليد فتكون الجناية فيها واقعة على العضوين بذلك الاعتبار فلم يعتبر العقل في مسألة الشجة أيضا عضوا مغايرا لمحل الشجة حتى تكون هذه المسألة أيضا بذلك الاعتبار من قبيل ما لو وقعت الجناية على عضوين فلا يدخل الأرش في الدية كما في السمع والبصر وبالجملة ما عده الهندواني صحيحا من الفرق هنا لا يخلو عن الانتقاض منه أيضا فتأمل أو نقول ذهاب العقل في معنى تبديل النفس وإلحاقه بالبهائم فيكون بمنزلة الموت ولا كذلك سائر الأعضاء أو نقول إن العقل ليس له موضع يشار إليه فصار كالروح للجسد وقال الحسن أرش الموضحة بخلاف الموضحة مع الشعر والحجة على ما بينا قال بعض الشراح : ووجه الثاني أن السمع والكلام مبطن قال صاحب العناية قيل يريد به الكلام النفسي بحيث لا ترتسم فيه المعاني ولا يقدر على نظم التكلم ، فإن كان المراد ذلك كان الفرق بينه وبين ذهاب السمع والعقل عسرا جدا ، وإن كان المراد به التكلم بالحروف والأصوات ففي جعله مبطنا نظر . ا هـ .

                                                                                        أقول : يمكن أن يقال المراد به هو الثاني والمراد بكون السمع والكلام مبطنين كون محلهما مستورا غائبا عن الحسن بخلاف البصر ، فإن محله ظاهر مشاهد فيندفع النظر كما ترى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية