الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الظهيرية ، ولو قطع آخر كفه ثم قطع آخر مرفقه فمات ، فإن كان عمدا فقصاص النفس على الثاني ودية القاطع على الأول ، وهذا قول علمائنا الثلاثة وقال زفر : إن كان عمدا ، وإن كان خطأ ولم يتخلل البرء فدية النفس عليهما ، وإن قطع أصبع رجل عمدا ثم قطع آخر كفه خطأ فمات يقتص من قاطع الأصبع ، وعلى عاقلة الآخر دية النفس وقال زفر : لا يقتص ولكل واحد منهما نصف الدية ، وإذا ضرب رجل على يد رجل فشلت اليد فعليه دية كاملة ، وفي النوازل وسئل شداد عن رجل قطع رأس أصبع رجل من مفصله قال يقتص منه ، فإن اقتص منه ثم قطع أحدهما يد صاحبه ، فقال : ليس بينهما قصاص وفي العيون رجل قطع أصبع رجل خطأ فجاء آخر وقطع كفه عمدا فمات منها جميعا في قول الإمام لا يجب القصاص وعلى كل واحد منهما نصف الدية وبه قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله يقطع من الكف وعلى عاقلة الذي قطع الأصبع دية الأصبع وفي شرح الطحاوي ، ومن قطع يد مرتد فأسلم فمات فلا شيء على القاطع ، ولو قطع يده ، وهو مسلم فارتد فمات فعليه دية اليد لا غير ، ولو رجع إلى الإسلام ثم مات فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف عليه دية النفس ، وفي قول محمد عليه دية اليد وكذلك لو لحق بدار الحرب ولم يقض القاضي بلحوقه ثم عاد مسلما فمات تجب دية اليد لا غير ، وفي شرح الطحاوي .

                                                                                        [ ص: 357 ] ومن قطع من رجل يدا أو رجلا أو أصبعا أو أنملة من أصبع أو ما سوى ذلك مفصلا من المفصل عمدا فعليه القصاص بعد البرء من الجناية ولا قصاص عليه قبل ذلك وإذا قطع رجل يد آخر عمدا ، فإن كان القاطع والمقطوع حرين مسلمين أو كتابيين أو أحدهما مسلم والآخر كتابي يجري القصاص بينهما أو كانا امرأتين حرتين مسلمتين أو إحداهما مسلمة والأخرى كتابية أو كانتا ذميتين يجب القصاص ، ولو كانا عبدين أو أحدهما عبد والآخر حر أو أحدهما ذكر والآخر أنثى فلا قصاص بينهما والأرش في ماله حالا هذا كله بيان حكم العمد رجعنا إلى بيان حكم الخطأ فنقول وبالله التوفيق اليدين إذا قطعتا خطأ الدية لفوات جنس المنفعة على الكمال وفي أحدهما نصف الدية ولا تفضل اليمين على الشمال ، وإن كانت اليمين أكثر بطشا من الشمال ; لأن العبرة في الجنايات لجنس المنفعة لا للزيادة ، وفي اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكومة عدل فيما وراء الكف ، وهو قول الحنفي والشافعي روى صاحب الأمالي عن أبي يوسف أنه لا يجب في الساعد شيء ، وهو قول زفر ومالك وسفيان والثوري ، وكذلك على هذا الاختلاف إذا قطع اليد من المرفق أو المنكب ، فإنه يجب في الكف دية اليد وحكومة العدل فيما وراء الكف .

                                                                                        وعن أبي يوسف ، ومن تابعه في المسألة الأولى أنه يجب دية اليد لا غير والصحيح قول أبي حنيفة وفي الظهيرية ، ولو قطع رجل ثلاث أصابع من كف رجل خطأ ثم قطع آخر أصبعين ثم شلت الكف من الجراحتين فعلى الأول دية ما قطع وعلى الثاني دية ما قطع وما بقي من الكف بعد الأصابع فهو نصفان فما يصيب صاحب الأكثر دخل أرش الأقل في الأكثر ، وأما النصف الآخر إن كان الآخر قطع أصبعين فعليه خمسا دية للأصل ، وهو عشر الدية وفي الأنملة حكومة عدل والظفر إذا نبت كما كان لا شيء فيه ، وإن نبت على عيب فحكومة دون الأولى وفي الينابيع إذا قطع اليد من العضد والرجل من الفخذ فعندهما فيه الدية وما فوق الكف والقدم ففيه حكومة عدل .

                                                                                        وعند أبي يوسف ما فوق الكعب إلى القدم تبع للأصابع وإذا كسر يد عبد رجل أو رجله لا يجب في الحال شيء وفي الكافي ، ولو قطع اليد وفيها ثلاث أصابع فعليه ثلاثة أخماس دية اليد ولا شيء في الكف بالإجماع وقاطع يد لا كف له فلا قصاص عليه في الساعد وقال أبو يوسف : إذا كانا سواء اقتص منه وعلى هذا الاختلاف إذا قطع كف رجل ، وفيها أصبع زائدة ، وفي يد القاطع أصبع زائدة ، ولو قطع أصبعا زائدا في يده مثلها لا قصاص بالإجماع وقال أبو حنيفة في الأقطعين والأشلين أنه لا قصاص ، وهو قول أبي يوسف في رواية الحسن عنه وكذلك مقطوع الإبهام والأصبع كلها إذا قطع يد أشل فلا قصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وفي الخانية ، ولو قطع أظافر اليدين أو الرجلين روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا قصاص فيه وفيه حكومة عدل ، ولو كسر عظما من ساعد أو ساق أو ترقوة أو غيره ففيه حكومة عدل قال رحمه الله ( وضمنا ديتها ) أي ضمن القاطعان دية المقطوع ; لأن التلف حصل بفعلهما فيجب عليهما نصف الدية على كل واحد منهما الربع فتجب في مالهما ; لأن العاقلة لا تتحمل العمد .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية