الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( ومن دعي إلى وليمة وثمة لعب وغناء يقعد ويأكل ) يعني إذا حدث اللعب والغناء بعد حضوره يقعد ويأكل ولا يترك ولا يخرج ولا يخفى أن قوله وثمة إلى آخره جملة حالية عن نائب فاعل " دعي " فيفيد وجود ذلك حال الدعوة ، فلو قال : فحضر لعب لكان أولى فتأمل وعللوا ذلك بأن إجابة الدعوة سنة لقوله عليه الصلاة والسلام { من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم } فلا يتركها لما اقترن بها من البدعة كصلاة الجنازة لأجل النائحة فإن قدر على المنع منع من غيره قال في العناية أخذا من النهاية قيل عليه إنه قياس السنة على الفرض وهو غير مستقيم فإنه لا يلزم من تحمل المحذور لأجل الفرض تحمله لأجل السنة أجيب بأنها سنة في قوة الواجب لورود الوعيد على تركها لقوله { فقد عصى أبا القاسم } الحديث فأورد على هذا بأنهم أرادوا بقولهم في قوة الواجب مثل الواجب في الأحكام فهو مشكل لوجوب الفرق بينهما في الأحكام بأن تارك الواجب يستحق العقوبة بالنار وتارك السنة لا يستحقها بل حرمان الشفاعة وإن أرادا بأنها في قوة الواجب مجرد بيان تأكيد السنة فلا يجدي نفعا وأجيب بأن إجابة الدعوة ، وإن كانت سنة عندنا ابتداء إلا أنها تنقلب إلى الواجب بقاء بعد الحضور حيث يلزمه حق الدعوة بالتزامه فصار نظير الصلاة النافلة تنتقل إلى الواجب بل إلى الفرض بالتزامه بالمشروع أشار إليه صاحب الهداية فيكون قوله : كصلاة الجنازة قياس واجب على واجب ، وبيان تقريب الدليل ببيان الدعوة على ثلاثة أوجه :

                                                                                        الأول : إذا دعي إلى وليمة ، أو طعام ولم يكن ثمة شيء من البدع أصلا ، والثاني : إذا دعي إلى ذلك ولم يذكر حين الدعوة أن ثمة شيئا من البدع أصلا ولم يعلمه المدعو قبل الحضور ولكن هجم عليه والثالث : إذا دعي إلى ذلك وذكر أن ثمة شيئا من البدع فعلمه المدعو قبل الحضور ففي الوجهين الأولين كانت الدعوة على وجه السنة فلا تكون الإجابة لازمة للمدعو . ا هـ .

                                                                                        وهذا كله بعد الحضور ولو علم قبل الحضور لا يقبله ولقائل أن يقول : الحديث المذكور يشمل ما بعد الحضور وما قبله لأنه قد تقرر في الأصول أن المعرف بالألف واللام إذا لم تكن للعهد الخارجي فهو للاستغراق فيعم كل دعوة وقد يجاب عنه بأنه ، وإن كان عاما من حيث اللفظ فهو مخصوص بالنصوص الدالة على وجوب الاجتناب عن اقتراب تلك البدع ا هـ .

                                                                                        فإن كان ممن يقتدى به فلم يقدر على منعهم خرج ولم يقعد لأن في ذلك شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين وما حكي أن الإمام وقع له ذلك كان قبل أن يصير قدوة ، وإن كان ذلك على المائدة فلا يقعد .

                                                                                        وإن كان هناك لعب وغناء قبل أن يحضر فلا يحضر لأنه لا يلزمه الإجابة إلا إذا كان هناك منكر لما روي عن علي قال { صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعوته له فحضر فرأى في البيت تصاوير فرجع } وعن ابن عمر قال { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منسطح } رواه أبو داود ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام حتى التغني بضرب القصب قال عليه الصلاة والسلام { ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف } أخرجه البخاري ، وفي لفظ آخر { ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير } ، واختلفوا في التغني المجرد قال بعضهم : إنه حرام مطلقا والاستماع إليه معصية لإطلاق [ ص: 215 ] الحديث وهو اختيار شيخ الإسلام ومنهم من قال : لا بأس به ليستفيد به فهم المعاني والفصاحة ومنهم من جوز التغني لدفع الوحشة إذا كان وحده ولا يكون على سبيل اللهو ، وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي لأنه روى ذلك عن بعض الصحابة ولو كان في الشعر حكم ، أو قصة لا يكره وكذا لو كان فيه ذكر امرأة غير معينة وكذا لو كانت معينة وهي ميتة ولو كانت حية يكره كذا في الشارح .

                                                                                        وفي المحيط : ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر لقوله عليه الصلاة والسلام { كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل زوجته وقوسه وفرسه } لأنه يصد عن الجمع والجماعات وسبب للوقوع في فواحش الكلام وغيره واستماع صوت الملاهي حرام كالضرب بالقصب وغيره قال عليه الصلاة والسلام { : استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر } وهذا خرج على وجه التشديد لا أنه يكفر وعن الحسن بن زياد لا بأس بأن يكون في العرس دف يضرب به ليشتهر ويعلن النكاح وسئل أبو يوسف أيكره للمرأة أن تضرب في غير فسق للصبي قال : لا أكره ، ولا تركب امرأة مسلمة على السرج لقوله عليه الصلاة والسلام { لعن الله السروج على الفروج } هذا إذا ركبت متلهية أو متزينة لتعرض نفسها على الرجال فإن ركبت لحاجة كالجهاد والحج فلا بأس به

                                                                                        . رجل أظهر الفسق في داره فللإمام أن يتقدم عليه فإن لم يمتنع فالإمام بالخيار إن شاء ضربه أسواطا ، وإن شاء أخرجه من داره لأن الكل يصلح للتعزير ، قال أبو يوسف : في داره يسمع مزامير ومعازف أدخل عليهم بغير إذنهم لا أمنع الناس عن إقامة هذا الفرض ، ولو رأى منكرا وهو ممن يرتكب هذا المنكر له أن ينهى عنه لأن الواجب عليه ترك المنكر والنهي عن المنكر فإذا ترك أحدهما لا يترك الآخر . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة وغيرها : لا بأس بضرب الدف في العرس والوليمة والأعياد وكذا لا بأس بالغناء في العرس والوليمة والأعياد حيث لا فسق ، وفي الخلاصة وعن عمر أنه أحرق بيت الخمار وعن الإمام الزاهد الصفار أنه أمر بتخريب دار الفسق بسبب الفسق ، وفي الظهيرية : لا بأس بالمزاح بعد أن لا يتكلم بكلام فيه مأثم ويقصد به إضحاك جلسائه ، وفي الجامع الصغير للعتابي وكل لعب غير الشطرنج فهو حرام .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية