الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( وجاز الثني من الكل والجذع من الضأن ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن } رواه البخاري ومسلم وأحمد وجماعة أخر [ ص: 202 ] وقال عليه الصلاة والسلام { نعمت الأضحية الجذع من الضأن } رواه أحمد وقال عليه الصلاة والسلام { يجوز الجذع من الضأن أضحية } رواه أحمد وابن ماجه وقالوا : هذا إذا كان الجذع عظيما بحيث لو خلط بالثنيات ليشتبه على الناظرين ، والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر عند الفقهاء وذكر الزعفراني أنه ابن سبعة أشهر والثني من الضأن والمعز ابن سنة ومن البقر ابن سنتين ومن الإبل ابن خمس سنين ، وفي المغرب الجذع من البهائم قيل الثني إلا أنه من الإبل قبل السنة الخامسة ومن البقر والشاة في السنة الثانية ومن الخيل في الرابعة وعن الزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر ، وفي الظهيرية : ولو أن رجلين ضحيا بعشر من الغنم بينهما لم تجز ولو اشترك سبعة نفر في خمس بقرات جاز ، وإن اشترك ثمانية نفر في سبع بقرات لم يجز وكذا عشرة وأكثر ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله : ( وإن مات أحد السبعة ، وقال الورثة : اذبحوا عنه وعنكم صح ، وإن كان شريك الستة نصرانيا ) ومريد اللحم لم تجز عن واحد منهم ، ووجه الفرق أن البقر تجوز عن سبعة بشرط قصد الكل القربة ، واختلاف الجهات فيما لا يضر كالقران والمتعة والأضحية لإيجاد المقصود وهو القربة وقد وجد هذا الشرط في الوجه الأول لأن الأضحية من الغير عرفت قربة لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته ولم توجد القربة في الوجه الثاني لأن النصراني ليس من أهلها ولو اشترك اثنان في بقرة ، أو بعير لا يجوز في الأضحية لأنه يكون لواحد منهم ثلاثة أسهم ونصف ، والنصف لا يجوز في الأضحية والأصح أنه يجوز لأن النصف يصير قربة بطريق التبع لغيره .

                                                                                        شاتان بين رجلين ذبحاهما عن نسكهما أجزأهما بخلاف العبدين بين اثنين أعتقاهما عن كفارتيهما لا يجوز لأن في الشاتين أمكن جمع كل واحد منهما في شاة ولا كذلك الرقيق اشترك ثلاثة في بقرة : لواحد ثلاثة أسباعها ، ومات وترك ابنا وبنتا صغارا ، أو ترك ستمائة درهم مع حصة البقرة فضحى الوصي عنهم بحصة الميت من البقرة لا يجوز عنه لأن نصيب البنت لحم لأنها فقيرة أصابها من ميراث الأب أقل من مائتي درهم ولو اشترك خمسة في بقرة فأشرك أربعة منهم رجلا في البقرة تجوز الأضحية عنهم لأن الشركاء أربعة لكل واحد منهم خمسة فتصير الأربعة عشرين وقد جعلوا من أنصبائهم أربعة ، والأربعة من عشرين أكثر من السبع ولو كانوا ستة فأشرك خمسة واحدا وأبى الواحد لم تجز أضحيتهم لأن نصيبه أقل من السبع لأن أصل حسابه ستة وثلاثون كل واحد ستة فيكون للخمسة ثلاثون وقد جعلوها ستة لكل واحد خمسة ، وخمسة من ستة وثلاثين أقل من السبع كذا في المحيط وكذا قصد اللحم من المسلم ينافيها ، وإذا لم يقع البعض قربة خرج الكل من أن يكون قربة لأن الإراقة لا تتجزأ وهذا استحسان والقياس أن لا تجوز وهو رواية عن أبي يوسف لأنه تبرع بالإتلاف فلا تجوز عن غيره كالإعتاق عن الميت قلنا القربة تقع عن الميت كالتصدق لما روينا بخلاف الإعتاق لأن فيه إلزام الولاء للميت ولو كان بعض الشركاء صغيرا ، أو أم ولد بأن ضحى عن الصغير أبوه ، أو عن أم ولده مولاها ولم يجب عليهما جاز لأن كلها وقعت قربة ولو ذبحوها بغير إذن الورثة فيما إذا مات أحدهم لا تجزيهم لأن بعضها لم يقع قربة بخلاف ما تقدم لوجود الإذن من الورثة وفي فتاوى أبي الليث إذا ضحى بشاة عن غيره بأمره ، أو بغير أمره لا يجوز ولو ضحى ببدنة عن نفسه وعن أولاده فإن كانوا صغارا أجزأه وأجزأهم وإن كانوا كبارا فإن فعل ذلك بأمرهم فكذلك ، وإن كان بغير أمرهم لم يجز على قولهم وعن أبي يوسف أنه يجوز استحسانا ، وفي الكبرى لو ضحى عن الميت بغير أمره لا يجوز وهو المختار ، وفي رواية يجوز . واختلفوا هل الأضحية عن الميت أفضل ، أو التصدق أفضل ؟

                                                                                        ذهب بعضهم إلى أن التصدق أفضل وذهب بعضهم إلى أن الأضحية أفضل ، وفي الظهيرية رجل اشترى أضحية شراء فاسدا فذبحها عن أضحيته جاز والبائع بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها حية ، وإن شاء استردها ولا شيء على المضحي ويتصدق بقيمتها مذبوحة ، وفي الخانية اشترى سبع بقرة فنوى بعضهم الأضحية عن نفسه في هذه السنة ونوى بقيتهم عن السنة الماضية ،

                                                                                        قالوا : تجوز الأضحية عن هذا الواحد ونية أصحابه عن السنة الماضية باطلة وصاروا متطوعين قيدنا بالسبعة لأنهم لو كانوا ثمانية لم تجز عن الواحد منهم كما تقدم ، وفي أضاحي الزعفراني اشترى ثلاثة بقرة على أن يدفع أحدهم ثلاثة دنانير والآخر أربعة والآخر دينارا على أن تكون البقرة بينهم على قدر رأس مالهم فضحوا بها لم تجز ولو كانت البقرة ، أو البدنة بين اثنين [ ص: 203 ] فضحيا بها اختلف المشايخ قال بعضهم : يجوز وبه أخذ الفقيه أبو الليث والصدر الشهيد ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية