الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وصح تسليمهم الشفعة من الأب والوصي والوكيل ) يعني أن الحمل والصغير في استحقاق الشفعة كالكبير لاستوائهما في سببه فيقوم بالطلب والأخذ والتسلم من يقوم مقامهما وهو الأب ثم وصيه ثم أب الأب ثم وصيه ثم الوصي الذي نصبه القاضي ، فإن لم يكن أحد فهو على شفعته حتى يدرك وهذا قول الإمام وأبي يوسف وقال محمد وزفر هو على شفعته إذا بلغ وعلى هذا الخلاف بطلان الشفعة بسكوت الأب والوصي عند العلم بالشراء للإمام ومحمد وزفر أن هذا إبطال لحق الصبي فلا يصح كالعفو عن القود وإعتاق عبده وإبراء عن يمينه ولأن تصرفهما نظري والنظر في الأخذ يتعين ألا ترى أنه شرع لدفع الضرر فكان في إبطاله إلحاق الضرر به فلا يملك ولهما أن الأخذ بالشفعة في معنى التجارة بل هو عينها ألا ترى أنه مبادلة المال بالمال وترك الأخذ بها ترك التجارة فيملكه كما يملك ترك التجارة أنه لو أخذه بالشفعة ثم باعه من ذلك الرجل بعينه جاز .

                                                                                        فكذا إذا سلمه إليه بل أولى ; لأنه أخذه ثم باعه من ذلك الرجل بعينه جاز كانت العهدة على الصبي وفي الأول على البائع أو المشتري و ; لأن هذا تصرف دائر بين النفع والضرر فيحتمل أن يكون الترك أنفع بإيفاء الثمن على ملك الصبي بخلاف العفو عن القود وما ذكر معه ; لأنه محض غير متردد ولأنه إبطال بغير عوض هذا إذا بيعت بمثل قيمتها ، وإن بيعت بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله قيل جاز التسليم بالإجماع ; لأن النظر متعين فيه وقيل لا يجوز التسليم بالإجماع وهو الأصح ; لأنه لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم كالأجنبي ، وإن بيعت بأقل من قيمتها بمحاباة كثيرة فعند الإمام لا يصح تسليم الأب والوصي ولا رواية عن أبي يوسف قال في النهاية ولما لم يصح التسليم على قول الإمام لا يصح على قول محمد وزفر بالأولى ولو كان المشتري هو الأب لنفسه كان له أن يأخذه بالشفعة ما لم يكن فيه ضرر ظاهر على الصغير وكذا لو اشترى لابنه الصغير كان له أن يأخذه بالشفعة ما لم يكن فيه ضرر ظاهر وهو أن لا يكون فيه غبن فاحش فكذا في الأخذ والوصي كالأب في هذا إلا أنه يشترط في حقه أن يكون فيه نفع بالصغير ظاهر حتى إذا كان بمثل القيمة لا يجوز .

                                                                                        وكذا إذا باع من نفسه بمثل القيمة لا يجوز حتى يكون أكثر وفي الأب يجوز إذا كان بمثل القيمة فيهما ثم كيفية طلبه أن يقول اشتريت وأخذت بالشفعة [ ص: 167 ] متصلا ولو باع كل واحد منهما مال الصغير أو مال نفسه ليس له أن يأخذ بالشفعة لا لنفسه ولا للصغير لما ذكرنا أن من باع أو بيع له إلخ ، وإن كان في الشراء غبن فاحش كان للصغير أن يطلب الشفعة إذا بلغ وفي الأصل الحمل ، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر منذ وقع الشراء ، فإنه لا شفعة لها إلا أن يكون أبوه مات قبل البيع ورث الحمل عنه حينئذ يستحق الشفعة ، وإن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وفي السغناقي وإذا كانت الشفعة لكبير وصغير وحمل وقد ثبت نسبه من الميت شركهم في الشفعة ، وإن جاءت لأكثر من ستة أشهر . ا هـ .

                                                                                        وفي التتمة وإذا بيعت بأقل من قيمتها فتسليم الأب والوصي لا يصح والصغير على شفعته إذا بلغ وفي الأصل إذا اشترى الأب لنفسه دارا وابنه الصغير شفيعها فلم يطلب الشفيع للصغير حتى بلغ قياس قول أبي حنيفة لا شفعة للصغير أما الوصي فهو على شفعته ويجب أن يكون الجواب في شراء الأب دارا وابنه الصغير شفيعها على التفصيل إن لم يكن فيه ضرر فلو وقع بأكثر من القيمة بما يتغابن الناس فيه لا يكون للصغير شفعة إذا بلغ ، وإن وقع شراء الأب بأكثر من القيمة بما لا يتغابن الناس فيه كان للصغير الشفعة إذا بلغ . ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( والوكيل ) بالجر عطفا على الأب يعني الوكيل بالشراء تسليم الشفعة منه صحيح والمراد بالوكيل هاهنا الوكيل بطلب الشفعة أما الوكيل بالشراء فتسليمه الشفعة صحيح بالإجماع وكذا سكوته إعراض بالإجماع والوكيل بطلب الشفعة إنما يصح تسليمه في مجلس القاضي عند الإمام وعند أبي يوسف يصح في مجلس القاضي وغيره وعند محمد وزفر لا يصح تسليمه أصلا ; لأنه أتى بضد ما أمر به فصار كما وكله باستيفاء الدين فأبرأه منه ولهما أن الوكيل بالشراء له ; لأن الأخذ بها شراء والوكيل بالشراء له أن يشتري فله أن يترك الشفعة غير أن أبا يوسف يقول هو وكيل مطلق فينفذ تصرفه مطلقا والإمام يقول الوكيل بطلب الشفعة وكيل بالخصومة ولا تعتبر الخصومة في غير مجلس القاضي فلا يكون وكيلا في غير مجلس الحاكم ولو أقر الوكيل بطلب الشفعة على موكله بأن سلم الشفعة جاز إقراره عليه عند الإمام ومحمد إذا كان في مجلس القاضي ، وإن كان في غيره فلا يجوز إلا أنه يخرج من الخصومة . ا هـ .

                                                                                        وقال أبو يوسف يجوز مطلقا وقال زفر لا يجوز مطلقا وقد قدمنا بعض هذه والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية