الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وما نقص بسكناه وزراعته ضمن النقصان كما في النقلي ) وهذا بالإجماع قال القدوري كما إذا انهدمت أو ضعف البناء كما لو عمل فيها حداد فانهدمت أو ضعف البناء والفرق لهما أنه أتلفه بفعله كما لو نقل ترابه والعقار يضمن بالإتلاف ولا يشترط لضمان الإتلاف أن يكون في يده ألا ترى أن الحر يضمن به بخلاف ضمان الغصب حيث لا يضمن [ ص: 127 ] إلا بالحصول في اليد فعلى هذا لو ركب دابة الغير بغير إذنه أو لم يسيرها حتى نزل ثم هلكت لم يضمن لعدم النقل ، وإن تلفت بركوبه يضمن لوجود الإتلاف بفعله وهو نظير ما لو قعد على بساط الغير بغير إذنه وفي فتاوى أبي الليث غصب أرضا وزرعها ونبت فلصاحبها أن يأخذ الأرض ويأمر الغاصب بقلع الزرع تفريغا لملكه ، فإن أبى أن يفعل فللمغصوب منه أن يفعل وفي الذخيرة ، وإن لم يحضر المالك حتى أدرك الزرع فالزرع للغاصب وللمالك أن يرجع على الغاصب بنقصان الأرض بسبب الزراعة ، وإن حضر المالك والزرع لم ينبت ، فإن شاء صاحب الأرض يتركها حتى ينبت الزرع ثم يأمره بقلع الزرع ، وإن شاء أعطاه قيمة بذره لكن مبذورا في أرض غيره وهو أن تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فيضمن فضل ما بينهما والبذر له وفي العيون غصب من آخر أرضا وزرعها ثم اختصما وهي بذر لم تنبت بعد فصاحب الأرض بالخيار إن شاء تركها حتى تنبت ثم يقول له : اقلع ذرعك ، وإن شاء أعطاه ما زاد البذر فيه .

                                                                                        وطريق معرفة ذلك أن تقوم مبذورة وغير مبذورة فيه فيضمن فضل ما بينهما وفي الحاوي وروي عن أبي يوسف أنه يقوم الأرض غير مبذور فيها وتقوم وهي مبذور فيها بذر مستحق القلع فيضمن فضل ما بينهما وهو قيمة بذر مبذور في أرض الغير فيضمن الفضل وفي الفتاوى غصب حنطة فزرعها تصدق بالفضل إلا على قول أبي يوسف وفي المنتقى للمعلى وفي نوادره عن أبي يوسف أرض بين رجلين زرعها أحدهما بغير إذن شريكه فتراضيا على أن يعطي غير الزارع نصف البذر ويكون الزرع بينهما نصفين قال إن كان ذلك منهما بعدما نبت الزرع فهو جائز ، وإن كان قبل أن ينبت لا يجوز ، وإن كان الزرع قد نبت وأراد الذي لم يزرع أن يقلع الزرع ، فإن الأرض تقسم بينهما نصفين فما أصاب الذي لم يزرع من الزرع فله ويضمن له الزارع ما دخل أرضه من نقصان الزراعة وقوله بسكناه أو زراعته ليس بقيد فلو غصب عقارا أو حبس عن صاحبه حتى نزت أرضه أو أرضا حتى غلب عليها ما يمنع من الزراعة يضمن النقصان لظهور العيب عنده كما لو غصب عبدا وسرق ما في يده وهي حادثة الفتوى وأجاب الفقير عنها بما ذكر أخذا من مسألة العبد وفي الإسبيجابي رجل غصب أرضا فأجادها وأخذ غلتها أو زرع الأرض كرا فخرج منه ثلاثة أكرار .

                                                                                        قال يأخذ رأس ماله الكر ويتصدق بالفضل ويضمن الغلة ويضمن النقصان وهذا في قولهم جميعا وفي الكافي ويأخذ الغاصب رأس ماله أي البذر وما أنفق وما غرم من النقصان ويتصدق بالفضل وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وعند الثاني لا يتصدق غصب تالة من أرض إنسان وزرعها في ناحية أخرى من تلك الأرض فكبرت التالة وصارت شجرة فالشجرة للغارس وعليه قيمة التالة لصاحبها يوم غصبها ويؤمر الغارس بقلع الشجرة وكذلك لو غرس رجل تالة نفسه في أرض غيره فلصاحب الأرض أن يأخذه بقلعها ، وإن كان القلع يضر الأرض أعطاه صاحب الأرض قيمة شجرته مقلوعة كذا قيل وفي التتمة يوم يختصمان وعلى قياس مسألة الزرع الذي تقدم ذكرها يمكن أن يقال أعطاه صاحب الأرض قيمة شجرة مستحقة القلع وفي التتمة سئل عمن غرس أرض الغير غرسا فكبر هل لصاحب الأرض أن يقول : أدفع لك قيمته ولا تقلعه فقال لا إنما للغارس أن يقلعه ويضمن النقصان إن ظهر في الأرض نقصان ، وإنما لصاحب الأرض الأمر بالقلع فحسب وسئل عنها علي بن أحمد فقال للغارس قيمة الأغصان حين غرسها إذا كان في قلعها ضرر بالأرض ولم يتعرض هل يضمن القيمة وقت الغرس أو وقت القلع .

                                                                                        وسئل الخجندي عمن غرس في أرض غيره فنبت هل للغارس أن يقلعها فقال له أن يقلعها إن لم تنقص الأرض وفي الفتاوى رجل زرع أرض نفسه فجاء رجل وألقى بذره في تلك الأرض وقلب الأرض قبل أن تنبت بذر صاحب الأرض أو لم يقلب وسقى الأرض حتى نبت البذر فالنابت يكون للثاني عند أبي حنيفة ويكون على الثاني قيمة بذره ولكن مبذورا في أرض نفسه فتقوم الأرض ولا بذر فيها وتقوم وبها بذره فيرجع بفضل ما بينهما ، فإن جاء الزارع الأول وهو صاحب الأرض وألقى فيها بذر نفسه مرة أخرى وقلب الأرض قبل أن ينبت البذران أو لم يقلب وسقى الأرض فنبتت البذور كلها فجميع ما نبت لصاحب الأرض وعليه للغاصب مثل بذره ولكن مبذورا في أرض غيره وهكذا ذكر ولم يسمع الجواب والجواب المشبع أن الغاصب يضمن لصاحب الأرض قيمة بذره [ ص: 128 ] مبذورا في أرض نفسه ويضمن صاحب الأرض للغاصب قيمة البذرين لكن مبذورا في أرض الغير وهذا كله إذا لم يكن الزرع نابتا بها ، فأما إذا نبت زرع المالك فجاء رجل وألقى بذره وسقى ، فإن لم يقلب حتى نبت الثاني ، فإن كان الزرع النابت إذا قلب ينبت مرة أخرى فالجواب كما قلنا ، وإن كان لا ينبت مرة أخرى فما نبت فهو للغاصب ويضمن الغاصب للمالك قيمة زرعه نابتا وفي الظهيرية سئل نصير رحمه الله عمن زرع أرض نفسه برا فجاء رجل وزرعها شعيرا قال على صاحب الشعير قيمة بذره مبذورا روى ذلك محمد بن سماعة عن محمد بن الحسين رحمه الله تعالى قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا رضي صاحب البذر .

                                                                                        وأما إذا لم يرض فهو بالخيار إن شاء ترك حتى ينبت ، فإذا نبت يأخذه بالقلع ، وإن شاء أبرأه عن الضمان ، فإذا استحصد الزرع وحصداه فهو بينهما على مقدار نصيبهما وسئل أبو جعفر عمن دفع كرما معاملة فأثمر الكرم أو كان الدافع وأهل داره يدخلون الكرم ويأكلون منه ويحملون والعامل لا يدخل إلا قليلا هل على الدافع ضمان قال : إن أكلوا وحملوا بغير إذن الدافع فلا ضمان عليه والضمان على الذين أكلوا وحملوا ، وإن كانوا أكلوا بإذنه ، فإن كانوا ممن تجب نفقتهم عليه فهو ضامن نصيب العامل فصار كأنه هو الذي أكله ، وإن كانوا أخذوا بإذنه وهو ممن لا تلزمه نفقتهم فلا ضمان عليه فصار كأنه دل على استهلاك مال الغير وسئل الشيخ عطاء بن حمزة رحمه الله تعالى عمن زرع أرض إنسان ببذر نفسه بغير إذن صاحب الأرض هل لصاحب الأرض أن يطالب بحصة الأرض قال نعم إن جرى العرف في ذلك أنهم يزرعون الأرض بثلث الخارج أو ربعه أو نصفه أو شيء مقدر شائع يجب ذلك القدر الذي جرى به العرف قيل له هل فيه رواية قال نعم رجل غصب أرضا وبنى فيها حائطا فجاء صاحب الأرض وأخذ الأرض وأراد الغاصب أن يأخذ الحائط ، فإن كان الغاصب يبني الحائط من تراب هذه الأرض ليس له النقض ويكون الحائط لصاحب الأرض ، فإن بنى الحائط لا من تراب هذه الأرض فله النقض ولم يتعرض المؤلف لما إذا نقص في يده بغير صنعه .

                                                                                        قال القدوري رحمه الله تعالى في كتابه غصب من آخر عبدا أو جارية فأبق في يد الغاصب ولم يكن أبق قبل ذلك أو زنت أو سرقت ولم تكن فعلت ذلك قبل فعلى الغاصب ما انتقصت بسبب السرقة والإباق وعيب الزنا وكذلك ما حدث في يد الغاصب مما تنقص به القيمة من عور أو شلل أو ما أشبه ذلك يكون مضمونا فيقوم العبد صحيحا ويقوم وبه العيب فيأخذه ويرجع بفضل ما بينهما ، وإن أصابه حمى في يد الغاصب أو أصابه بياض في عينه ثم رد على المولى ورد معه الأرش ثم ذهبت الحمى وزال البياض فللغاصب أن يرجع على المولى بالأرش وفي شرح الطحاوي وإذا ولدت الجارية المغصوبة ولدا فالولد عندنا غير مضمون وعند الشافعي مضمون ولو استهلكه الغاصب ضمن قيمته بالإجماع ويتخير بنقصان الولادة عندنا وعند زفر لا يتخير وإذا حبلت عند الغاصب من الزنا فأراد ردها على المولى كذلك ، فإنه يردها مع النقصان فينظر إلى أرش عيب الزنا وإلى ما نقصها الحبل فيضمن الأكثر من ذلك ويدخل الأقل في الأكثر وهذا استحسان أخذ به أبو يوسف والقياس أن يضمن الأمرين جميعا وهو قول محمد ، فإن ولدت في يد المالك وسلمت من الولادة فالمروي عن أبي يوسف أنه ينظر إلى أرش الحبل وإلى أرش عيب الزنا ، فإن كان عيب الزنا أكثر لا يرد شيئا ، وإن كان عيب الحبل أكثر رد الفضل من أرش عيب الزنا وفي الينابيع ، فإن حبلت من الزنا فولدت زال عيب الحبل بالولادة وبقي عيب الزنا ، فإن كان عيب الزنا أكثر من عيب الحبل ، وقد غرم الغاصب عيب الحبل يجب عليه أن يتم أرش عيب الزنا .

                                                                                        ، وإن كان عيب الحبل أكثر فمقدار عيب الزنا يستحق وما زاد عليه زال ، وإن ماتت من الولادة وبقي ولدها ففي قول أبي حنيفة يضمن الغاصب جميع قيمتها وعلى قولهما يضمن نقصان الحبل خاصة وهكذا ذكره القدوري وفي الخانية الجارية تقوم غير حامل ولا زانية وتقوم وهي حامل زانية فيرجع بفضل ما بينهما وفي الخانية ولو ماتت في نفاسها ومات الولد أيضا كان على الغاصب قيمتها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ليس عليه إلا نقصان الحبل وفي الينابيع وكذا قطعت يدها في سرقة عند الغاصب أو ضربت فيما زنت عنده فعند أبي حنيفة يضمن ما نقصها الزنا والضرب فيدخل الأقل في الأكثر وفي السرقة يضمن نصف قيمتها وعندهما يضمن السرقة والزنا ولا يضمن ما نقصها القطع والضرب ولو ماتت في الولادة [ ص: 129 ] وبقي ولدها ضمن جميع قيمتها عند أبي حنيفة يوم الغصب ولا جبر للنقصان بالولد عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا يضمن إلا ما نقصها الحبل وهو قول محمد ولو مات الولد ردها ورد معها ما نقصتها الولادة ولا شيء عليه بموت الولد ولكن نقصت قيمة الجارية وقيمة الولد تصلح أن تكون جابرة لذلك النقصان لم يضمن الغاصب شيئا

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية