قال رحمه الله ( وعلى لم يحل وحل بقتل وقطع ) يعني لو أكره على هذه الأشياء بما لا يخاف على نفسه أو عضوه كالضرب لا يسعه أن يقدم عليه وبما يخاف يسعه ذلك ; لأن حرمة هذه الأشياء مقيدة بحالة الاختيار وفي حالة الضرورة مبقاة على أصل الحل لقوله تعالى { أكل لحم خنزير وميتة ودم وشرب خمر بحبس أو ضرب أو قيد إلا ما اضطررتم إليه } فاستثنى حالة الاضطرار ; لأنه فيها مباح والاضطرار يحصل بالإكراه الملجئ وهو أن يخاف على نفسه أو عضوه ولا يحصل ذلك بالضرب بالصوت ولا بالحبس حتى لو خاف ذلك منه وغلب على ظنه يباح له ذلك أقول : في قوله يباح له ذلك إشكال قوي فإن المباح ما استوى طرفاه فعله وتركه كما تقرر في علم الأصول وفيما نحن فيه إذا خيف على النفس أو على عضو كان طرف العقل راجحا ، بل فرضا كما صرح به في لب الأصول من كون ذلك فرضا فتأمل فلو قال بغير ما يخاف منه على تلف عضو أو نفسه لم يفترض وإلا افترض إلى آخره لكان أولى وقدره بعضهم بأدنى الحد وهو أربعون سوطا فإن هدد به وسعه أن يقدم وإن هدد بدونه لا يسعه ; لأن ما دون ذلك مشروع بطريق التعزير .
قلنا لا وجه للتعزير بالرأي وأحوال الناس مختلفة فمنهم من يتحمل الضرب الشديد ومنهم من يموت بأدنى منه فلا طريق سوى الرجوع إلى رأي المبتلى فإن غلب على ظنه أن تلف النفس أو العضو يحصل به وسعه وإلا فلا ، وإذا قلنا لا يسعه شرب الخمر هل يحد أم لا قال في المحيط ، وإذا شرب الخمر لا يحد ; لأن بأغلظ الإكراهين تثبت حقيقة إباحة الشرب حالة الضرورة وبأخفهما ثبت شبهة الإباحة والشبهة كافية لدرء الحدود . ا هـ .
وفي المبسوط نوع يرخص له فعله ويثاب على تركه وقسم حرام فعله مأثوم على إتيانه وقسم يباح فعله ويأثم على تركه الأول الإكراه على إجراء كلمة الكفر وشتم الإكراه على المعاصي أنواع محمد صلى الله عليه وسلم أو على ترك الصلاة أو كل ما ثبت بالكتاب الثاني كما لو والثالث لو أكره على الخمر وما ذكر معه قال رحمه الله ( وأثم بصبره ) يعني إذا أكره على ما تقدم بقتل وقطع فلم يفعل حتى قتله أو قطع عضوا منه أثم [ ص: 83 ] ; لأن التناول في هذه الحالة مباح وإتلاف النفس أو العضو بالامتناع عن المباح حرام فيأثم إلا أنه إذا لم يعلم الإباحة في هذه الحالة لا يأثم ; لأنه موضع الخفاء . أكره بالقتل على أن يقتل مسلما أو يقطع عضوه أو يضربه ضربا يخاف منه التلف أو يشتم مسلما أو يؤذيه أو على الزنا
وقد دخله اختلاف العلماء فلا يأثم كالجهل بالخطاب في دار الحرب أو في أول الإسلام في حق من أسلم فيها ، وعن لا يأثم مطلقا ; لأنه رخصة إذ الحرمة قائمة فيكون أخذا بالعزيمة قلنا حالة الاضطرار مستثناة فلا يكون الامتناع عزيمة ، بل معصية قال في العناية فإن قيل إضافة الإثم إلى ترك المباح من باب فساد الوضع وهو فاسد فالجواب أن المباح إنما يجوز تركه والإتيان به إذا لم يترتب عليه محرم وهاهنا ترتب عليه محرم وهاهنا ترتب عليه قتل النفس المحرم فصار الترك حراما ; لأن ما أفضى إلى الحرام حرام ا هـ . أبي يوسف
أقول : والذي يظهر أن الإثم ليس على ترك المباح ، بل على ترك الفرض كما تقدم تقريره ا هـ .
قال في المحيط والأصل أن من ابتلي ببليتين يختار أهونهما وأيسرهما والمسائل على أربعة أوجه الأول لو فهو في سعة من قطعها ; لأن القطع أهون من القتل ; لأن الظاهر أن القطع يقتصر ولا يسري ولهذا يباح القطع عند الإكراه إذا خاف الهلاك على نفسه الثاني لو أكره بقتل على أن يقطع يد نفسه لا يباح له الثالث لو أكره على قتل نفسه إن كان لا يرجو الخلاص والنجاة من ذلك يباح له وإلا فلا وذكر أن الإحراق بالنار أشد من السيف والرابع على أكره على إلقاء نفسه في النار أو في الماء أو من سطح يباح له القتل بالسيف ; لأن القتل بالسياط أشد من القتل بالسيف . إكراهه بالقتل بالسياط على قتل نفسه بالسيف