الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في قبض بعض الثمن أو بعد هلاك المبيع أو بعضه أو في بدل الكتابة أو في رأس المال بعد [ ص: 221 ] إقالة السلم لم يتحالفا والقول للمنكر مع يمينه ) أما الاختلاف في الأجل والشرط والقبض فلأنه اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء ، وهذا ; لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف ; لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين ، وهو يعرف بالوصف ، ولا كذلك الأجل ; لأنه ليس بوصف .

                                                                                        ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه فالقول لمنكر الخيار والأجل مع يمينه ; لأنهما يثبتان بعارض الشرط ، والقول لمنكر العوارض فقد جزموا هنا بأن القول لمنكر الخيار كما علمت وذكروا في خيار الشرط فيه قولين قدمناهما في بابه والمذهب ما ذكروه هنا ويستثنى من الاختلاف في الأجل ما لو اختلفا في الأجل في السلم بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر فإن القول فيه لمدعيه عند الإمام ; لأنه فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد ، وإقدامهما عليه يدل على الصحة فكان القول لمدعيه ; لأن الظاهر يشهد له بخلاف ما نحن فيه ; لأنه لا تعلق له بالصحة والفساد فيه فكان القول لنافيه ، ولهذا لو شهد أحدهما بالبيع بألف إلى شهر وشهد الآخر أنه باعه بألف ، ولم يذكر الأجل تقبل كما لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار إلى ثلاث ، ولم يذكر الآخر الخيار ، ولو كان وصفا للثمن لما قبل ، كذا ذكر الشارح أطلق الاختلاف في الأجل فشمل الاختلاف في أصله ، وفي قدره فالقول لمنكر الزائد بخلاف ما لو اختلفا في مقدار الأجل في السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول فيه للمشتري ; لأنه حقه ، وهو منكر استيفاء حقه كذا في النهاية ، وفي الظهيرية من البيوع من الفصل الثالث .

                                                                                        قال محمد بن الحسن في رجلين تبايعا شيئا واختلفا في الثمن فقال المشتري اشتريت هذا الشيء بخمسين درهما إلى عشرين شهرا على أن أؤدي إليك كل شهر درهمين ونصف ا ، وقال البائع بعتكه بمائة درهم إلى عشرة أشهر على أن تؤدي إلي كل شهر عشرة دراهم ، وأقاما البينة قال محمد تقبل شهادتهما ويأخذ البائع من المشتري ستة أشهر كل شهر عشرة ، وفي الشهر السابع سبعة ونصفا ثم يأخذ بعد ذلك كل شهر درهمين ونصفا إلى أن تتم له مائة ; لأن المشتري أقر له بخمسين درهما على أن يؤدي إليه كل شهر درهمين ونصفا وبرهن دعواه بالبينة ، وأقام البائع البينة بزيادة خمسين على أن يأخذ من هذه الخمسين مع ما أقر له به المشتري في كل شهر عشرة فالزيادة التي يدعيها البائع في كل شهر سبعة ونصف ، وما أقر به المشتري له في كل شهر درهمان ونصف فإذا أخذ في كل شهر عشرة فقد أخذ في كل ستة أشهر مما ادعاه خمسة وأربعين ، ومما أقر به المشتري خمسة عشر بقي إلى تمام ما يدعيه من الخمسين خمسة فيأخذها البائع مع ما يقر به المشتري في كل شهر وذلك سبعة ونصف ثم يأخذ بعد ذلك في كل شهر درهمين ونصفها إلى عشرين شهرا حتى تتم المائة ، وهذه مسألة عجيبة يقف عليها من أمعن النظر فيما ذكرناه . ا هـ .

                                                                                        وفي كافي المصنف اشترى عبدين صفقة أو صفقتين أحدهما بألف حال والآخر بألف مؤجل إلى سنة فرد أحدهما بعيب فقال المشتري ثمن المردود حال ، وقال البائع مؤجل فالقول للبائع ، ولم يتحالفا ; لأنه اختلاف في الأجل وكذا لو اشتراهما بمائة في صفقة وقبضهما ، ومات أحدهما في يده ورده الآخر بعيب واختلفا في قيمة المردود فالقول للبائع ، ولو كان ثمن أحدهما دراهم وثمن الآخر دنانير ، وقبضهما البائع واختلفا في ثمن الباقي بعد رد أحدهما بالعيب فقال المشتري ثمنه دراهم فرد لي الدنانير وعكس البائع فالقول للمشتري مع يمينه إن ماتا ، ولا تحالف خلافا لمحمد ، وإن كانا قائمين تحالفا إجماعا .

                                                                                        وكذا إذا اختلفا في الصفقة فادعى البائع اتحاد الثمن والمشتري تعدده فالقول للمشتري ، وفي القنية لو اختلفا في خيار الشرط ، وأقاما البينة فبينة مدعي خيار الشرط أولى . ا هـ .

                                                                                        والاختلاف في قدره كالاختلاف في أصله كذا في المعراج والتقييد بقبض بعض الثمن اتفاقي إذ الاختلاف في قبض كله كذلك ، وهو قبول قول البائع ، وإنما لم يذكره باعتبار أنه مفروغ عنه بمنزلة سائر الدعاوى كذا في النهاية [ ص: 222 ]

                                                                                        وأشار بالأجل والخيار إلى الاختلاف في شرط الرهن أو شرط الضمان أو العهدة بالمال فلا تحالف والقول للمنكر كما في المعراج وبالاختلاف في قبض الثمن إلى الاختلاف في حط البعض أو إبراء الكل كما في المعراج أيضا .

                                                                                        وأما إذا اختلفا بعد هلاك المبيع فلا تحالف عندهما والقول قول المشتري إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري كما سنذكره عند قوله ، وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة ، وقال محمد يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك وعلى هذا إذا خرج المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب له أن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره ، وأنه يفيد دفع زيادة الثمن فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة ، ولهما أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه ، وقد ورد الشرع به في حال قيام السلعة والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ ، ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في معناه ; ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود ، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجب العقد ، وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته ، وهذا إذا كان الثمن دينا فإن كان عينا يتحالفان ; لأن المبيع كل منهما فكان قائما ببقاء المعقود عليه فيرده ويرد الآخر مثل الهالك إذا كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن بأن ادعى أحدهما أنه دراهم والآخر أنه دنانير ; لأنهما لم يتفقا على ثمن فلا بد من التحالف للفسخ ، وهنا اتفقا عليه ، وهو كاف للصحة .

                                                                                        وبهذا علم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره إلا في مسألة هي ما إذا كان المبيع هالكا ، وفي الظهيرية إبراهيم عن محمد في رجل اشترى تبنا في موضعين بكذا درهما ، وقبض تبن أحد الموضعين وذهب الريح بتبن الموضع الآخر واختلفا في مقدار ما قبض ، وما ذهب فإن كان ما قبض قائما تحالفا أو ترادا ، وإن كان مستهلكا فالقول قول المشتري في قياس [ ص: 223 ] قول أبي حنيفة ، وقال محمد يتحالفان ويرد المشتري مثل ما أخذ من التبن والقول فيه قوله . ا هـ .

                                                                                        وفي إيضاح الكرماني لو اختلفا بعد هلاك الجارية في يد المشتري فادعى البائع أن الثمن عين ، وهو هذا العبد أو ادعى المشتري أن الثمن عين وادعى البائع أن الثمن دين لم ينظر إلى دعوى البائع ، وإنما ينظر إلى دعوى المشتري ; لأن المبيع في جانب البائع هلك فكان القول في الثمن قول المشتري فإن أقر بالدين فالقول قوله : وإن أقر بالعين يتحالفا ; لأن المبيع في جانبه قائم ، ولو تحالفا ، وقد هلك أحد العوضين في يد الآخر رد مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن لم يكن له مثل ; لأن العقد قد انفسخ فبقي مقبوضا من غير عقد فصار كالغاصب . ا هـ .

                                                                                        وفي كافي المصنف ادعى شراء أمة قبضها ، وماتت بألف وبهذا الوصيف ، وقيمته خمسمائة ، وقال البائع بعت بألفين حلف المشتري في ثلثي الأمة وتحالفا في ثلثها وبعكسه حلف المشتري ، وفيه اختلفا في موت المبيع عند أحدهما فبرهن البائع أنه مات عند المشتري بعد القبض وبرهن المشتري أنه مات في يد البائع قبل القبض فالبينة لبائعه ، وإن وقفا فلا سابق والقتل كالموت ، ولو برهن المشتري أن البائع قتله بعد البيع بيوم فبرهن البائع أن المشتري قتله بعد البيع بيومين فالبينة للمشتري للسبق ا هـ .

                                                                                        [ ص: 221 - 222 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 221 - 222 ] ( قوله : وأما إذا اختلفا بعد هلاك المبيع ) قال في معراج الدراية قوله : فإن هلك المبيع أي بعد قبض الثمن إذ قبل قبضه ينفسخ العقد بهلاكه ثم اختلفا أي في مقدار الثمن هكذا ذكر في المبسوط . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب ) قال في الكفاية بأن زاد زيادة متصلة أو منفصلة ، وفي شرح درر البحار أو تغير إلى زيادة منشؤها الذات بعض القبض متصلة كانت أو منفصلة كولد ، وأرش وعقر ، وإذا تحالفا عند محمد يفسخ على القيمة إلا إذا اختار المشتري رد العين مع الزيادة ولو لم تنشأ من الذات سواء كانت من حيث السعر أو غيره كانت قبل القبض أو بعده يتحالفان اتفاقا ويكون الكسب للمشتري اتفاقا . ا هـ .

                                                                                        قال الرملي ، وقد صرحوا بأن الزيادة المتصلة بالمبيع التي لم تتولد من الأصل مانعة من الرد كالغرس والبناء وطحن الحنطة وشي اللحم وخبز الدقيق فإذا وجد شيء من ذلك لا تحالف عندهما خلافا لمحمد ، والله تعالى أعلم . ولم يذكر هذا الشارح ولا غالب الشروح والفتاوى اختلافهما بعد الزيادة ولا بعد موت المتعاقدين أو أحدهما مع شدة الحاجة إلى ذلك ، وقد ذكر ذلك مفصلا في التتارخانية فارجع إليه إن شئت ثم بحثت في الكتب فرأيت ابن مالك قال في شرح المجمع اعلم أن مسألة التغير مذكورة في المنظومة ، وقد أهملها المصنف ثم تغيره إلى زيادة إن كان من حيث الذات بعد القبض متصلة كانت أو منفصلة متولدة من عينها كالولد أو بدل العين كالأرش والعقر يتحالفان عند محمد خلافا لهما ، وإذا تحالفا يترادان القيمة عنده إلا إن شاء المشتري أن يرد العين مع الزيادة ، وقيل يترادان رضي المشتري أو لا قيدنا الزيادة بقولنا من حيث الذات ; لأنها لو كانت من حيث السعر يتحالفان سواء كان قبل القبض أو بعده ، وقيدنا بقولنا متولدة من عينها ; لأنها لو لم تكن كذلك يتحالفان اتفاقا ويكون الكسب للمشتري عندهم جميعا ، وفي التتارخانية ، وفي التجريد ، وإن وقع الاختلاف بين ورثتهما أو بين ورثة أحدهما وبين الحي فإن كان قبل قبض السلعة يتحالفان بالإجماع ، وفي شرح الطحاوي إلا أن اليمين على الورثة على العلم ، وإن كان بعد القبض فكذلك عند محمد وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا يتحالفان وفي شرح الطحاوي والقول قول المشتري أو قول ورثته بعد وفاته ، وفيها ، وفي الخلاصة رجل اشترى شيئا فمات البائع أو المشتري ووقع الاختلاف في الثمن بين الحي وورثة الميت إن مات البائع فإن كانت السلعة في يد الورثة يتحالفان ، وإن كانت السلعة في يد الحي لا يتحالفان عندهما ، وقال محمد يتحالفان هذا إذا مات البائع فإن مات المشتري والسلعة في يد البائع يتحالفان عند الكل ، وإن كانت السلعة في يد ورثة المشتري عندهما لا يتحالفان وعلى قول محمد يتحالفان وهلاك العاقد بمنزلة المعقود عليه ، وممن ذكر مسألة التغير بالزيادة والنقص الاختيار والمنهاج والتغير بالعيب الدرر والغرر والله أعلم .

                                                                                        واقعة حال : اختلف المشتري مع الوكيل بقبض الثمن هل يجري التحالف بينهما ، وقد كتبت الجواب لا يجري إذ الوكيل بالقبض لا يحلف ، وإن ملك الخصومة عند الإمام فيدفع الثمن الذي أقر به له ، وإذا حضر الموكل المباشر للعقد وطلبه بالزيادة يتحالفان حينئذ . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن ) أي بعد هلاك المبيع ، وهذا مقابل لقوله ، وأما إذا اختلفا بعد هلاك المبيع إلخ فإن هناك الاختلاف في مقدار الثمن كما قدمناه عن المعراج فصحت المقابلة . ( قوله : وبهذا علم ) أي بقوله بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن [ ص: 223 ] ( قوله : وبعكسه حلف ) أي لو ادعى البائع المبيع بألف ، وهذا الوصيف والمشتري الشراء بألفين .




                                                                                        الخدمات العلمية