الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويحلف على الحاصل أي بالله ما بينكما نكاح قائم وبيع قائم ، وما يجب عليك رده ، وما هي بائن منك الآن في دعوى النكاح والبيع والغصب والطلاق ) يعني ، ولا يحلف بالله ما بعت ; لأنه قد تباع العين ثم يقال فيها ، ولا يحلف في النكاح ما نكحت ; لأنه يطرأ عليه الخلع ، ولا في الغصب ما غصبت ; لأنه ربما رده ، وفي الطلاق ما طلقت ; لأن النكاح قد يجدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل في هذه الوجوه ; لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه ، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد أما على قول أبي يوسف يحلف في جميع ذلك على السبب إلا إذا عرض بما ذكرنا فحينئذ يحلف على الحاصل ، وله معنيان لغوي واصطلاحي هنا فالأول كما في القاموس الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب ما سواه حصل حصولا ، ومحصولا . ا هـ .

                                                                                        والثاني : تحليفه على صورة إنكار المنكر عندهما وعند أبي يوسف يحلف على السبب ، وهو صورة دعوى المدعي ، وبيانه إذا ادعى عنده وديعة أو قرضا أو غصبا أو بيعا فهو ينكر ويقول ليس لك علي شيء فعلى قولهما يحلف على صورة إنكاره بالله ليس له عندك شيء ، ولا عليك دين وعنده بالله ما أودعه ، ولا باعه ، ولا أقرضه ذكره الإسبيجابي .

                                                                                        وقوله الآن متعلق بالجمع كما أفاده مسكين ، ومعنى قوله ويحلف على الحاصل أن الأصل هذا إذا كان سببا يرتفع إلا إذا كان فيه ترك النظر في جانب المدعي فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع وذلك مثل أن تدعي مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا يراها [ ص: 215 ] أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها ; لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده فيفوت النظر في حق المدعي ، وإن كان سببا لا يرتفع برافع فالتحليف على السبب بالإجماع كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه بخلاف الأمة والعبد الكافر ; لأنه يكرر الرق عليها بالردة واللحاق بدار الحرب وعليه ينقض العهد واللحاق ، ولا يكرر على العبد المسلم كذا في الهداية ، وفي قول المؤلف بالغصب ، وما يجب عليك رده قصور والصواب ما في الخلاصة ما يجب عليك رده ، ولا مثله ، ولا بد له ، ولا شيء من ذلك . ا هـ .

                                                                                        وكذا في قوله ما هي بائن منك الآن ; لأنه خاص بالبائن ، وأما الرجعي فيحلف بالله ما هي طالق في النكاح الذي بينكما ، وأما إذا كانت الدعوى بالطلاق الثلاث فقال الإسبيجابي يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما . ا هـ .

                                                                                        كما أن إدخال النكاح في المسائل التي يحلف فيها على الحاصل عندهما غفلة من صاحب الهداية والشارحين ; لأن أبا حنيفة لا يقول بالتحليف في النكاح ، ولذا قال الإسبيجابي إنه يحلف في النكاح على قولهما لا على قوله ثم اختلفا فقال محمد يحلف على صورة إنكار المنكر ، وقال أبو يوسف على صورة دعوى المدعي . ا هـ .

                                                                                        إلا أن يقال إن الإمام فرع على قولهما ، وإن كان لا يقول به كتفريعه في المزارعة على قولهما والمذهب في التحليف قولهما ، وهو ظاهر الرواية كما في خزانة المفتين ، ولذا اختاره أصحاب المتون لكن قال فخر الإسلام إنه مفوض إلى رأي القاضي وعن أبي يوسف أن القاضي ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب كالبيع يحلف على السبب ، وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل وعليه أكثر القضاة ذكره مسكين ، ولم يستوف المؤلف رحمه الله تعالى المسائل المفرعة على هذا الأصل فمنها الأمانة والدين ، وقد ذكرناهما ، وفي منية المفتي المدعى عليه الألف يحلف بالله ما له قبلك ما يدعي ، ولا شيء منه ; لأنه قد يكون عليه الألف إلا درهما فيكون صادقا . ا هـ .

                                                                                        وفيما ذكره الإسبيجابي في التحليف على الوديعة قصور والصواب ما في خزانة المفتين ، وفي دعوى الوديعة إذا لم تكن حاضرة يحلف بالله ما له هذا المال الذي ادعاه في يديك وديعة ، ولا شيء منه ، ولا له قبلك حق منه ; لأنه متى استهلكها أو دل إنسانا عليها لا تكون في يديه ويكون عليه قيمتها فلا يكتفى بقوله في يديك بل يضم إليه ، ولا له قبلك حق منه احتياطا . ا هـ .

                                                                                        ومنها دعوى الملك المطلق فإن كان في ملك منقول حاضر في المجلس يحلف بالله ما هذا العين ملك المدعي من الوجه الذي يدعيه ، ولا شيء منه ، وإن كان غائبا عن المجلس إن أقر المدعى عليه أنه في يده ، وأنكر كونه ملك المدعي كلف إحضاره ليشير إليه ، وإن أنكر كونه في يده فإنه يستحلف بعد صحة الدعوى ما لهذا في يديك كذا ، ولا شيء منه ، ولا شيء عليك ، ولا قبلك ، ولا قيمته ، وهي كذا ، ولا شيء منها كذا في خزانة المفتين ، ومنها دعوى إجارة الضيعة أو الدار أو الحانوت أو العبد أو دعوى مزارعة في أرض أو معاملة في نخل بالله ما بينك وبين هذا المدعي إجارة قائمة تامة لازمة اليوم في هذا العين المدعى ، ولا له قبلك حق بالإجارة التي وصفت كذا في الخزانة ، ومنها ما لو ادعت امرأة على زوجها أنه جعل أمرها بيدها ، وأنها اختارت نفسها ، وأنكر الزوج فالمسألة على ثلاثة أوجه : إما أن ينكر الزوج الأمر والاختيار جميعا ، وفيه لا يحلف على الحاصل بلا خلاف ; لأنه لو حلف ما هي بائن منك الساعة ربما تأول قول بعض العلماء أن الواقع بالأمر باليد رجعي فيحلف على السبب ، ولكن يحتاط فيه للزوج بالله ما قلت لها منذ آخر تزوج تزوجتها أمرك بيدك ، وما تعلم أنها اختارت نفسها بحكم ذلك الأمر ، وإن أقر بالأمر ، وأنكر اختيارها يحلف بالله ما تعلم أنها اختارت نفسها ، وإن أقر بالاختيار وأنكر الأمر يحلف بالله ما جعلت أمر امرأتك هذه بيدها قبل أن تختار نفسها في ذلك المجلس ، وكذا إن ادعت أن الزوج حلف بطلاقها ثلاثا أن لا يفعل كذا ، وقد فعل فهو على التفصيل كذا في خزانة المفتين .

                                                                                        ومنها أن ما ذكره في حلف البيع قاصر والحق ما في الخزانة من التفصيل فإن المشتري إذا ادعى الشراء فإن ذكر نقد الثمن فادعى عليه يحلف بالله ما هذا العبد ملك المدعي ، ولا شيء منه بالسبب [ ص: 216 ] الذي ادعى ، ولا يحلف بالله ما بعته ، وإن لم يذكر المشتري نقد الثمن يقال له أحضر الثمن فإذا حضر استحلفه القاضي بالله ما عليك قبض هذا الثمن وتسليم هذا العبد من الوجه الذي ادعى ، وإن شاء حلف بالله ما بينك وبين هذا شراء قائم الساعة .

                                                                                        والحاصل أن دعوى الشراء مع نقد الثمن دعوى المبيع ملكا مطلقا ، وليست بدعوى العقد ، ولهذا تصح مع جهالة الثمن فيحلف على ملك المبيع ودعوى البيع مع تسليم المبيع دعوى الثمن معنى ، وليست بدعوى العقد ، ولهذا تصح مع جهالة المبيع فيحلف على ملك الثمن . ا هـ .

                                                                                        ومنها في دعوى الكفالة إذا كانت صحيحة بأن ذكر أنها منجزة أو معلقة بشرط متعارف ، وأنها كانت بإذنه أو أجازها في المجلس ، وإذا حلفه يحلفه بالله ما له قبلك هذه الألف بسبب هذه الكفالة التي يدعيها حتى لا يتناول كفالة أخرى وكذا إذا كانت كفالة يعرض بالله ما له قبلك هذا الثوب بسبب هذه الكفالة ، وفي النفس بالله ما له قبلك تسليم نفس فلان بسبب هذه الكفالة التي يدعيها كذا في خزانة المفتين ، ومنها تحليف المستحق قال في خزانة المفتين رجل أعار دابة أو آجرها أو أودعها فجاء مدع ، وأقام بينة أنها له لا يقضى له بشيء حتى يحلف بالله ما بعت ، ولا وهبت ، ولا أذنت فيها ، ولا هي خارجة عن ملكك للحال ، ومنها إذا ادعى غريم الميت إيفاء الدين له ، وأنكر الوارث يحلف ما نعلم أنه قبضه ، ولا شيئا منه ، ولا برئ إليه منه كذا في خزانة المفتين ، وقدمنا كيفية تحليف مدعيه على الميت ، وفي جامع الفصولين أقول : قوله : ولا برئ إلى آخره لا حاجة إليه ; لأنه يدعي الإيفاء لا البراءة فلا وجه لذكره في التحليف . ا هـ .

                                                                                        وأجبت عنه فيما كتبناه عليه بجواز أن الميت أبرأه ، ولم يعلم المديون ; لأنه لا يتوقف على قبوله ، ومنها في دعوى الإتلاف قال في الخزانة ادعى على آخر أنه خرق ثوبه ، وأحضر الثوب معه إلى القاضي لا يحلفه ما خرقت ثم ينظر في الخرق إن كان يسيرا وضمن النقصان يحلف ما له عليك هذا القدر من الدراهم التي تدعي ، ولا أقل منه ، وإن لم يكن الثوب حاضرا كلفه القاضي بيان قيمته ، ومقدار النقصان ثم يترتب عليه اليمين وكذلك هذا في هدم الحائط أو فساد متاع أو ذبح شاة أو نحوه . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنه تكرر منهم في بعض صور التحليف تكرار لا في لفظ اليمين خصوصا في تحليف مدعي دين على الميت فإنها تصل إلى خمسة ، وفي الاستحقاق إلى أربعة مع قولهم في كتاب الأيمان إن اليمين تتكرر بتكرار حرف العطف مع قوله لا كقوله لا آكل طعاما ، ولا شرابا ، ومع قولهم هنا في تغليظ اليمين يجب الاحتراز عن العطف ; لأن الواجب يمين واحدة فإذا عطف صارت أيمانا ، ولم أر عنه جوابا بل ، ولا من تعرض له ، وقد ظهر لي في الجمع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : إلا إذا عرض بما ذكرنا ) أي بأن يقول المدعى عليه عند طلب اليمين منه على السبب إن الشخص قد يبيع ثم يقبل [ ص: 215 ] ( قوله : إلا أن يقال إن الإمام فرع على قولهما ) أو يقال محمول على ما إذا كان مع النكاح دعوى المال كما نقل عن العلامة المقدسي ولكن ذكره في اليعقوبية أيضا ثم قال : وهذا بعيد ; لأن الظاهر أنه يحلف عنده في تلك الصورة على عدم وجوب المال لا على عدم النكاح فليتأمل . ( قوله : وفيما ذكره ) أي في أول الصفحة السابقة [ ص: 216 ] ( قوله : وأجبت عنه فيما كتبناه عليه إلخ ) وأجاب عنه أيضا في نور العين حيث قال قوله : لا حاجة إليه محل نظر ; لأن المدعى هو إيفاء مجموع الدين فلو أريد تسويته بالمحلوف عليه لاكتفى في الحلف بلفظ ما تعلمون أن أباكم قبضه فزيادة لفظ ولا شيء منه تدل قطعا على أن المراد إنما هو دفع جميع الوجوه المحتملة في جانب المورث نظرا للغريم وشفقة عليه ويجوز أن يكون وجه زيادة ولا برئ إليه احتمال أن الغريم تجوز فأراد بالإيفاء الإبراء نظرا إلى اتحاد مآلها ، وهو خلاص الذمة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : لا يحلفه ما خرقت ) أي لاحتمال أنه خرقه ، وأدى ضمانه تأمل . ( قوله : وقد ظهر لي في الجمع ) قال الرملي هكذا في النسخة التي كتبت منها ، وهنا كلام ساقط وأقول : إذا تأمل المتأمل وجد التكرار لتكرير المدعى فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        يعني : أن المدعي ، وإن ادعى شيئا واحدا في اللفظ لكنه مدع لهذه الأشياء ضمنا .




                                                                                        الخدمات العلمية