الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا يستحلف في نكاح ورجعة وفيء واستيلاد ورق ونسب وولاء وحد ولعان ) وقالا يستحلف في الكل إلا في الحدود واللعان ; لأن النكول إقرار ; لأنه يدل على كونه كاذبا في الإنكار على ما قدمناه فكان إقرارا أو بدلا عنه والإقرار يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة والحدود تندرئ بالشبهات ، واللعان في معنى الحد ولأبي حنيفة أنه بدل ; لأن معه لا تبقى اليمين واجبة لحصول المقصود ، وإنزاله باذلا أولى كي لا يصير كاذبا في الإنكار والبذل لا يجري في هذه الأشياء ، وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول فلا يستحلف إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب ، والعبد المأذون بمنزلة الضيافة اليسيرة وصحته في الدين بناء على زعم المدعي ، وهو يقبضه حقا لنفسه والبذل معناه ها هنا ترك المنع ، وأمر المال هين كذا في الهداية ، وفي القنية يستحلف في دعوى الإقرار بالنكاح . ا هـ .

                                                                                        وظاهره بأنه اتفاق بين أبي حنيفة وصاحبيه فليتأمل . وفي الظهيرية تفسير البذل عنده ترك المنازعة والإعراض عنها ثم الدعوى في هذه المسائل تتصور من إحدى الخصمين أيهما كان إلا بالحد واللعان والاستيلاد فإنه لا يتصور أن يكون المدعي فيها إلا المقذوف والمولى كذا في الشرح ، وهو سبق قلم والصواب والأمة دون المولى ، وفي الهداية وصورة الاستيلاد أن تقول الجارية أنا أم ولد لمولاي ، وهذا ابني منه ، وأنكر المولى ; لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره ، ولا يلتفت إلى إنكارها . ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين وصورة النكاح أنكر هو أو هي نكاحا والرجعة ادعى على امرأة رجعة ففي العدة تثبت بقوله ، وإن كذبته ; لأنه ادعى أمرا يملك استئنافه للحال وبعدها لو صدقته ثبت بتصادقهما ، ولو كذبته ، ولا بينة فعلى قولهما يحلف لا على قوله وكذا لو ادعت أنه راجعها وكذبها وصورة الفيء في الإيلاء قال فئت ، وأنكرت فلو ادعاه في مدة الإيلاء يثبت بقوله ، ولو بعد مضيها فإن صدقته ثبت ، وإلا ولا بينة أو ادعت أنه فاء إليها في المدة أو بعدها ، وأنكر الزوج .

                                                                                        وصورة الرق ادعى على مجهول الحال أنه قنه أو ادعى مجهول الحال على رجل أنه عبده ، وأنكر المولى وصورة النسب ادعى مجهول النسب أنه أبوه أو ابنه وصورة أمية الولد أن تدعي أم الولد أنها ولدته من سيدها ، وصورة الولاء أن يدعي أنه مولاه الأسفل أو الأعلى . ا هـ .

                                                                                        أطلق في الولاء فشمل ولاء العتاقة وولاء الموالاة كما في الكافي ، وفيه فالحاصل أن كل محل يقبل الإباحة بالإذن ابتداء يقضى عليه بنكوله ، وما لا فلا . ا هـ .

                                                                                        وإذا لم يستحلف في النكاح عنده فلا يخلو إما أن يكون المدعي له الزوج أو المرأة فإن كان الزوج ، وقال أنا أريد أن أتزوج أختها أو أربعا سواها فإن القاضي لا يمكنه من ذلك ; لأنه أقر أن هذه امرأته فيقول له [ ص: 208 ] إن كنت تريد ذلك فطلق هذه ثم تزوج أختها أو أربعا سواها ، وإن كانت الدعوى من المرأة فعنده لو قالت إني أريد أن أتزوج فإن القاضي لا يمكنها من ذلك ; لأنها قد أقرت أن لها زوجا فلا يمكنها التزوج بآخر فإن قالت : ما الخلاص عن هذا ، وقد بقيت في عهدته الدهر ، ولا بينة لي ، وهذه تسمى عهدة أبي حنيفة فإنه يقول القاضي للزوج طلقها فإن أبى أجبره القاضي عليه فإن قال الزوج لو طلقتها لزمني المهر فلا أفعل ذلك يقول القاضي له قل لها إن كنت امرأتي فأنت طالق فتطلق لو كانت امرأته ، وإلا فلا ، ولا يلزمه شيء فإن أبى أجبره القاضي فإن فعل تخلص عن تلك العهدة كذا في البدائع ثم إذا لم يستحلف المنكر عنده في النسب هل تقبل بينة المدعي ينظر فإن كان نسبا يثبت بالإقرار تقبل بينته مثل الولد والوالد ، وإن لم يثبت بإقراره لا تقبل بينته مثل الجد وولد الولد والأعمام والإخوة ، وأولادهم ; لأن فيه حمل النسب على الغير بخلاف دعوى المولى الأعلى أو الأسفل حيث يقبل ، وإن ادعى أنه معتق جده ونحو ذلك وتمامه في الشرح ، وقوله قال القاضي الإمام فخر الدين الفتوى على أنه يستحلف المنكر في الأشياء الستة . المراد به مولانا قاضي خان كما صرح به مسكين وعزاه المصنف له في شرح الجامع الصغير مع أنه صرح به في فتاواه أيضا وصرح الشارح بأن فخر الإسلام عليا البزدوي اختار قولهما للفتوى على ما ذكره في المختصر .

                                                                                        واختار المتأخرون من مشايخنا على أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه فإن رآه متعنتا يحلفه أخذا بقولهما ، وإن رآه مظلوما لا يحلفه أخذا بقول أبي حنيفة ، وفي الولوالجية الفتوى على قولهما ، وهو اختيار الفقيه أبي الليث وصورة الاستحلاف على قولهما ما هي بزوجة لي ، وإن كانت زوجة لي فهي طالق بائن ; لأنها لو كانت صادقة لا يبطل النكاح بجحوده فإذا حلف تبقى معطلة ، وقال بعضهم يستحلف على النكاح فإن حلف يقول القاضي فرقت بينكما كذا في الخانية ، وفي الاختيار ثم عندهما كل نسب يثبت من غير دعوى المال كالبنوة والزوجية ، والمال يستحلف عليه وكل نسب لو أقر به لا يثبت إلا بدعوى المال كالأخ والعم لا يستحلف إلا إذا ادعى بسببه مالا أو حقا كدعوى الإرث ودعوى عدم الرجوع في الهبة ونحوه . ا هـ .

                                                                                        وظاهره صحة الدعوى بنسب الأخ ونحوه ، وإن لم يدع المال ; لأنه إنما نفى الاستحلاف فقط وظاهر ما في البزازية من الفصل العاشر في النسب والإرث عدم صحة الدعوى بالأخوة المجردة ، ولهذا لو برهن لا يقبل ; لأنه في الحقيقة إثبات البنوة على أب المدعى عليه ، والخصم فيه هو الأب لا الأخ . ا هـ .

                                                                                        وفي شرح مسكين فإن قيل كيف تكون هذه المسائل ستة ، وهي سبعة قلنا أمومية الوليد تابعة لثبوت النسب . ا هـ .

                                                                                        وعبر عنها في جامع الفصولين بالأشياء السبعة ، وفيه ادعى نكاحها فحيلة دفع اليمين عنها على قولهما أن تتزوج فلا تحلف ; لأنها لو نكلت لا يحكم عليها ; لأنها لو أقرت بعدما تزوجت لم يجز إقرارها وكذا لو أقرت بنكاح لغائب قيل صح إقرارها لكن يبطل بالتكذيب ويندفع عنها اليمين ، وقيل لا يصح إقرارها فلا تندفع عنها اليمين . ا هـ .

                                                                                        وفي الولوالجية رجل تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت وتزوجت بآخر ، ومات شهود الأول ليس للزوج الأول أن يخاصمها ; لأنها للتحليف والمقصود منه النكول ، ولو أقرت صريحا لم يجز إقرارها لكن يخاصم الزوج الثاني ويحلفه فإن حلف برئ ، وإن نكل فله أن يخاصمها ويحلفها فإن نكلت يقضى بها للمدعي ، وهذا الجواب على قولهما المفتى به ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : والصواب والأمة دون المولى ) بقي أن يقال ظاهر كلامه كغيره أنها ادعت الاستيلاد مجردا عن دعوى اعترافه والذي في صدر الشريعة ادعت أنها ولدت منه هذا الولد وادعاه أي ادعت أنه ادعاه فهو من تتمة كلامها كما ذكره أخي جلبي والذي يظهر أن التقييد به ليس احترازيا بل يبتنى على ما هو المشهور من أنه يشترط لثبوت نسب ولد الأمة وجود الدعوة من السيد وعلى غير المشهور لا يشترط ذلك بل يكفي عدم نفيه وكذا ظاهر قولهم ادعت أمة يفيد الاحتراز عن دعوى الزوجة ، ويخالفه قول القهستاني بعد قول المتن واستيلاد بأن ادعى أحد من الأمة والمولى أو الزوجة والزوج أنها ولدت منه ولدا حيا أو ميتا كما في قاضي خان ولكن في المشاهير أن دعوى الزوج والمولى لا تتصور ; لأن النسب يثبت بإقراره ولا عبرة لإنكارها بعده ويمكن أن يقال إنه بحسب الظاهر لم يدع النسب كما يدل عليه تصويرهم . ا هـ . كذا في حاشية السيد أبي السعود .




                                                                                        الخدمات العلمية