الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو رد المشتري المبيع على الوكيل بالعيب ببينة أو نكول رده على الآمر وكذا بإقرار فيما لا يحدث مثله ) لأن البينة حجة مطلقة والوكيل مضطر في النكول لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسة المبيع فلزم الآمر وكذا بإقرار فيما لا يحدث لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع فلم يكن قضاؤه مستندا إلى هذه الحجج وتأويل اشتراطها في الكتاب أن القاضي يعلم أنه لا يحدث في مدة شهر مثلا لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع فيفتقر إلى هذه الحجج لظهور هذا التاريخ أو كان عيبا لا يعرفه إلا النساء والأطباء وقولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة لا في الرد فيفتقر إليها في الرد حتى لو كان القاضي عاين البيع والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها قيد بما لا يحدث لأنه لو رد عليه بإقراره فيما يحدث فإنه يلزم المأمور لأن الإقرار حجة قاصرة وهو غير مضطر إليه لإمكانه السكوت والنكول إلا أن له أن يخاصم الموكل فيلزم ببينة أو بنكوله بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء والعيب يحدث مثله حيث لا يكون له أن يخاصم بائعه لأنه بيع جديد في حق ثالث والبائع ثالثهما والرد بالقضاء فسخ لعموم ولاية القاضي غير أن الحجة القاصرة وهو الإقرار فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصم ومن حيث القصور .

                                                                                        [ ص: 171 ] لا يلزم الموكل إلا بحجة ولو كان عيبا لا يحدث مثله والرد بغير قضاء بإقراره يلزم الموكل من غير خصومة في رواية لأن الرد متعين وفي عامة الروايات ليس له أن يخاصم لما ذكرنا والحق في وصف السلامة ثم ينتقل إلى الرد ثم إلى الرجوع بالنقصان فلم يتعين الرد ولو قال المؤلف في الجواب فهو رد على الموكل لكان أولى لأن الوكيل لا يحتاج إلى خصومة مع الموكل إلا إذا كان عيبا يحدث مثله ورد عليه بإقرار سواء كان بقضاء أو لا لكن إن كان بقضاء احتاج إلى خصومة مع الموكل وإلا لا تصح خصومته لكونه مشتريا وجعل النكول هنا بمنزلة البينة لا الإقرار ولم يجعل في حق البائع كذلك حتى لو رد على البائع بنكوله لا يرده على بائعه لاضطرار الوكيل إلى النكول بخلاف البائع كذا في النهاية وفيها وقضاء القاضي مع إقرار الوكيل متصور فيما إذا أقر بالعيب وامتنع عن القبول فيقضى عليه جبرا على القبول ا هـ .

                                                                                        أطلق في جواز الرد على الوكيل فشمل ما إذا كان قبل قبض الثمن أو بعده كما في البزازية وأشار إلى أن الخصومة إنما هي مع الوكيل فلا دعوى للمشتري على الموكل فلو أقر الموكل بعيب فيه وأنكره الوكيل لا يلزم الوكيل ولا الموكل شيء لأن الخصومة فيه من حقوق العقد والموكل أجنبي فيه ولو أقر الوكيل وأنكر الموكل رده المشتري على الوكيل وإقراره صحيح في حق نفسه لا الموكل كذا في البزازية ولم يذكر المؤلف الرجوع بالثمن وحكمه أنه يرجع به على الوكيل إن كان نقده الثمن وعلى الموكل إن كان نقده كما في شرح الطحاوي ولم يذكر ما إذا نقد الثمن إلى الوكيل ثم أعطاه هو إلى الموكل ثم وجد المشتري عيبا يرده على الوكيل أم الموكل أفتى القاضي أنه يرده على الوكيل كذا في البزازية وقيد بالوكيل بالبيع لأن الوكيل بالإجارة إذا أجر وسلم ثم طعن المستأجر فيه بعيب فقبل الوكيل بغير قضاء فإنه يلزم الموكل ولم يعتبر إجارة جديدة في حق الموكل لأن المعقود عليه إن كان المنافع فهي غير مقبوضة فكان نظير الرد على الوكيل بالبيع قبل القبض وإن كان المعقود عليه العين باعتبار إقامتها مقام المنافع فهو حكم ثبت بالضرورة فلا تعدو موضعها كذا في النهاية وقيد بالعيب لما في كافي الحاكم وإذا قبل الوكيل العبد بغير قضاء القاضي بخيار شرط أو رؤية فهو جائز على الآمر وكذا لو رده المشتري عليه بعيب قبل القبض بغير قضاء فهو جائز ا هـ .

                                                                                        [ ص: 170 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 170 ] ( قوله والوكيل مضطر في النكول ) قال الرملي : فيه دليل على أن الدعوى لو وقعت في ثمن المبيع بأن ادعى المشتري دفعه للوكيل وأنكره الوكيل فطلب المشتري يمينه على عدم الدفع له فنكل فقضى عليه أنه يضمن الثمن للموكل لفقد العلة المذكورة ولكونه إما باذلا أو مقرا أو على التقديرين يضمن وهي واقعة الفتوى فتأمل ا هـ .

                                                                                        قلت : وفي الكفاية قوله والوكيل مضطر إلخ يشير إلى أن الوكيل يحلف على البتات إذ لو كان على العلم لم يكن مضطرا لبعد العيب عن علمه ولكن عامة الروايات على أن الوكيل يحلف على العلم فإذا علم بالعيب فحينئذ يضطر إلى النكول ( قوله فلم يكن قضاؤه مستندا إلى هذه الحجج ) دفع لسؤال وهو أن العيب لما كان لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة لم يتوقف القضاء على وجود هذه الحجج من البينة والإقرار وإباء اليمين بل ينبغي أن يقضي بالرد بعلمه قطعا لوجود العيب عند البائع بدون الحجج فيجب عدم توقفه على وجودها في الغيب الذي لا يحدث مثله فأجاب بقوله وتأويل اشتراطها إلخ نهاية ملخصا وفي شرح الزيلعي الحاصل أن العيب لا يخلو إما أن لا يكون حادثا كالسن الزائدة والأصبع الزائدة أو يكون حادثا لكنه لا يحدث مثله في مثل تلك المدة أو يحدث في مثلها ففي الأول رده القاضي بغير حجة من بينة أو نكول أو إقرار وكذا في الثاني لعلمه بكونه عند البائع وتأويل اشتراط الحجة إلى ما ذكره المؤلف هنا وكذا الحكم في الثالث إن كان ببينة أو نكول لأن البينة حجة مطلقة وكذا النكول حجة في حقه فيرده عليه ثم في هذه المواضع كلها رد القاضي على الوكيل يكون ردا على الموكل ا هـ . ملخصا .

                                                                                        ثم ذكر حكم الرد في هذا الثالث بالإقرار بقضاء وبدونه وحكم الرد في الأولين بإقرار بدون قضاء وسيأتي في كلام المؤلف ( قوله أن يخاصم بائعه ) أي موكله .

                                                                                        [ ص: 171 ] ( قوله وإن كان عيبا لا يحدث مثله ) عبارة الزيلعي هنا أوضح وهي وإن كان العيب غير حادث أي كسن زائدة أو كان حادثا إلا أنه لا يحدث مثله في تلك المدة فرده على الوكيل بإقراره بغير قضاء لزم الوكيل وليس له أن يخاصم الموكل في عامة روايات المبسوط وذكر في البيوع أنه يكون ردا على الموكل لأنهما فعلا عين ما يفعله القاضي لو رفع إليه إذ لا يكلفه القاضي على إقامة البينة ولا على الحلف في هذه الصورة بل يرده عليه بلا حجة فكان الحق متعينا في الرد قلنا : الرد بالتراضي بيع جديد في حق ثالث والموكل ثالثهما ولا نسلم أن الحق متعين في الرد بل يثبت حقه أولا في وصف السلامة ثم إذا عجز ينتقل إلى الرد ثم إذا امتنع الرد بحدوث العيب أو بزيادة حدث فيه ينتقل إلى الرجوع بالنقصان فلم يكن الرد متعينا وهكذا ذكر الروايتين في شرح الجامع الصغير وغيره وبين الروايتين تفاوت كثير لأن فيه نزولا من اللزوم إلى أن لا يخاصم بالكلية وكان الأقرب أن يقال : لا يلزمه ولكن له أن يخاصم انتهت وبه علم أن قول المتن وكذا بإقرار فيما لا يحدث مثله أي فيلزم الموكل مبني على رواية البيوع المخالفة لعامة روايات المبسوط من لزومه للوكيل ولذا قال في المواهب : لو رد عليه بما لا يحدث مثله بإقرار يلزم الوكيل ولزوم الموكل رواية ا هـ .

                                                                                        ( قوله ورد عليه بإقرار سواء كان بقضاء أو لا ) الأصوب الأخصر أن يقال : إن كان بقضاء وإلا لم تصح خصومته .




                                                                                        الخدمات العلمية