( قوله وضمنا ما أتلفاه للمشهود عليه إذا قبض المدعي المال ) لأن التسبب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر وقد وجد سبب الإتلاف تعديا وقد تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي لأنه كالملجأ إلى القضاء وفي إيجابه صرف الناس عن تقلده وتعذر استيفاؤه من المدعي [ ص: 129 ] لأن الحكم ماض فاعتبر التسبب وفي المحيط رجع الشاهدان في المرض وعليهما دين الصحة وماتا بدئ بدين الصحة لأن ما وجب عليهما بالرجوع في المرض دين المريض لأنه وجب بإقرارهما في المرض ا هـ .
وإنما قيد بالقبض لأن الإتلاف به يتحقق ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين وقد تبع المصنف صاحب الهداية في تقييده تبعا للإمام السرخسي وصاحب المجمع وأصحاب الفتاوى في إطلاقهم فقد صرح في الخلاصة والبزازية وخزانة المفتين بالضمان بعد القضاء قبض المدعي المال أو لا قالوا وعليه الفتوى وفي الخلاصة أنه قول الآخر وهو أبي حنيفة قولهما . ا هـ .
وظاهره أن اشتراط القبض مرجوع عنه وفرق في المحيط بين العين والدين فقال : شهدا بعين ثم رجعا ضمنا قيمتها قبضها المشهود له أم لا لأن ضمان الرجوع ضمان إتلاف مقدر وضمان الإتلاف بالمثل إن كان المشهود به مثليا وبالقيمة إن لم يكن مثليا وإن كان المشهود به دينا فرجع الشهود قبل قبضه لا يضمنون وإن قبضه المشهود له ثم رجعا ضمنا لأنهما أوجبا عليه دينا فيجب في ذمتهما مثل ذلك ولا يستوفى منهما إلا بعد قبض المشهود به تحقيقا للمعادلة ا هـ .
وهذا قول شيخ الإسلام وشمل أيضا قوله ما أتلفاه خمر الذمي وخنزيره لكن في كافي الحاكم وإذا ضمنا المال وقيمة الخنزير ولا يضمنان الخمر ولا قيمته في قول شهد الذميان لذمي بمال أو خمر أو خنزير فقضى القاضي بذلك ثم رجعا أبي يوسف ويضمنان قيمة الخمر في قول ولو لم يسلم الشاهدان وأسلم المشهود عليه ثم رجعا عن الشهادة ضمنا قيمة الخنزير ولم يضمنا قيمة الخمر ا هـ . محمد
ثم اعلم أن تضمين الشاهد لم ينحصر في رجوعه لما في تلقيح المحبوبي المعبر عنه تارة بفروق الكرابيسي . شهد شاهدان على رجل أن فلانا أقرضه ألف درهم وقضى القاضي بها ثم أقام المقضي عليه بينة على الدفع قبل القضاء
[ ص: 130 ] يأمر القاضي برد الألف إليه ولا يضمن الشهود ولو شهدوا أن له عليه ألف درهم وقضى القاضي بذلك وأخذ الألف ثم أقام المقضي عليه البينة على البراء قبل القضاء يضمن الشهود ووجه الفرق أن في الوجه الأول لم يظهر كذبهم لجواز أنه أقرضه ثم أبرأه وفي الوجه الثاني ظهر كذبهم لأنهم شهدوا عليه بالألف في الحال وقد تبين كذبهم فصاروا متلفين عليه ألا ترى أنه لو يحكم بالمال ولا يحكم بالوقوع ولو شهدا أن عليه ألفا حكم بالمال والوقوع جميعا تبين بهذا أن قال : امرأته طالق إن كان لفلان عليه شيء فشهد الشهود أنه أقرضه ألفا الشهادة على الإقراض ليست شهادة على قيام الحق للحال ا هـ . والشهادة بالدين مطلقا شهادة على الحق في الحال
فقد علم تضمينهما بظهور كذبهما من غير رجوع فتضمينهما إذا تيقن كذبهما بالأولى ولذا قال في تلخيص الجامع في باب بطلان الشهادة : أخذ الدية ثم جاء المشهود بقتله حيا ضمن الولي للقبض ظلما ولا يرجع لسلامة بدله أو الشاهد للإلجاء كمكره ويرجع بما أخذ الولي لملكه ذلك وكذا لو اقتض لكن لا يرجع عنده إذ ليس للدم مالية تملك بخلاف المدبر ولهذا في عتقه يضمن الشاهد والمكره وفي العفو لا ولو شهد على الإقرار أو الشهادة ضمن الولي لما مر دون الشاهد لأنه لم يظهر كذبه إذ لا تنافي بخلاف الأول ولهذا لو ثبت الإبراء ضمن شاهد الدين دون الإقراض ولو قال : إن كان له علي حنث في الأول دون الثاني كما لو وجد المشهود بنكاحها أما والشاهد عبدا أو مجلودا في قذف . ا هـ .
وبهذا علمت أن فرع الكرابيسي منقول في التلخيص واندفع الإيراد على القول بالتضمين إذا ظهر كذبه به بما لو وجد المشهود بنكاحها أما أو أختا فإنه ظهر الكذب ولا ضمان وشمل أيضا ما أتلفاه العقار فيضمنه الشاهد برجوعه كما في خزانة المفتين فهو وإن كان لا يضمن بالغصب عندهما خلافا يضمن بالإتلاف وهذا منه وفي جامع لمحمد صدر الدين ضمن كل فريق لمن شهد عليه قال ادعى عبدا في يده ملكا وقضي به فادعاه آخر وقضي له وادعاه آخر وقضي له ثم رجعوا : ولا يشبه الوصية يعني لا يضمن للورثة لاتحاد المقضي عليه بخلاف الملك دليله وجد شهود الأول عبدا يرد عليه في الملك دون الوصية وتمامه فيه وشمل كل المشهود به أو بعضه فلذا قال في جامع الفصولين عند محمد محمد فإني لا أضمنهما قيمة البناء للمشهود عليه كأنهما قالا : قد شككنا في شهادتنا ولو قالا : ليس البناء للمدعي أضمنهما قيمة البناء وعن شهدا له بدار وحكم له ثم قالا : لا ندري لمن البناء أبي يوسف أقبل شهادتهما على ذلك ولم يكن هذا رجوعا ولو قالاه بعد الحكم أضمنهما قيمة البناء . ا هـ . شهدا له بدار فقالا قبل الحكم : إنما شهدنا بالعرصة
ثم اعلم أن الضمان عنهما يسقط بأشياء : الأول ضمنهما نصف المهر ثم أقر به رده إليهما الثاني ضمنهما قيمة العبد ثم أقر بالإعتاق رده الثالث ضمنهما قيمة العين ثم وهبها المشهود له للمشهود عليه ردها إليهما الرابع رد الضمان الخامس ورثه المقضي عليه رد الضمان بخلاف ما لو اشتراه الكل من العتابية وشمل قوله أيضا ما أتلفاه جميع الأبواب إلا أن رجع الواهب في هبته بقضاء بعدما ضمن الشاهدين المصنف ذكر بعضها وفاته البعض فذكر الدين والنكاح والبيع والطلاق والعتاق والقصاص وشهود الفرع والمزكى وشاهد اليمين وسنشرح كل واحد منهما وقد فاته الهبة والإبراء والاستيفاء والتأجيل والحد والنسب والولاء والكتابة والتدبير وأمومة الولد والإقالة والوكالة والرهن والإجارة والمضاربة والشركة والشفعة والميراث والوصية الوديعة والعارية أما الهبة ففي المحيط ضمنا قيمة العبد وحق الرجوع لا يمنع التضمين فإن ضمنهما القيمة لم يرجع فيها لوصول العوض ولا يرجع الشاهدان فيها ولو كان أبيض العين يوم شهدا بالهبة ثم رجعا والبياض زائل ضمنا قيمته أبيض لاعتبار القيمة يوم القضاء . ا هـ . شهدوا أنه وهب عبده من فلان وقبضه ثم رجعا بعد القضاء
وأما الإبراء والتأجيل ففي المحيط ضمنا ولو شهدا أنه - [ ص: 131 ] أجله سنة فقضي بها ثم رجعا قبل الحلول أو بعده ضمنا ورجعا به على المطلوب إلى أجله ويبرأ الشاهدان بقبض الطالب الدين بعد مضي الأجل من المطلوب فإن ضمنا رجعا به على المطلوب إلى أجله وقاما مقام الطالب فإن نوى ما على المطلوب فمن مالهما ولو أسقط المديون الأجل لم يضمنا ولو شهدا أنه أبرأه عن الدين أو أجله سنة أو أوفاه فقضي به ثم رجعا كلف مدعي الألف إقامة البينة ثانيا وخصمه في ذلك شهود براءة الدين رجعوا فيضمنها الألف ولا تصح إقامة البينة على الدين إلا بحضرة الشهود لا بحضرة المدعى عليه ولا يرجعان على المشهود له بالبراءة ا هـ . شهدا أن له على آخر ألفا وآخران أنه أبرأه ثم رجعوا
وفي العتابية لم يضمنا للطالب لأنه نوى ما عليه بالإفلاس . ا هـ . شهدوا على أنه أبرأه من الديون ثم مات الغريم مفلسا ثم رجعا
وأما الحد فسنذكره مع القصاص وأما النسب والولاء والكتابة وأخواها فمع العتق وأما الإقالة فمع البيع وأما الوكالة ففي المحيط لم يضمنا لأن الشاهد سبب لتفويت إمكان القبض على الموكل والوكيل باشر تفويته فيكون الضمان على المباشر وفي العتابية ولا ضمان على شهود التوكيل بالإعتاق ولا على شهود التفويض ولا على شهود التوكيل بقبض الدين . ا هـ . شهدا أنه وكله بقبض دينه من فلان أو وديعته فقبضه وأنكر الموكل ثم رجعا
وأما الرهن ففي المحيط لم يضمنا لأنهما أزالا بعوض ولو كان فيه فضل على الدين لم يضمنا ما دام العبد حيا فإن مات في يد المرتهن ضمنا الفضل على الدين ولو ادعى من له ألف على آخر أنه رهنه عبدا بها قيمته ألف والمطلوب مقر بالدين وشهدا بالرهن ثم رجعا لم يضمنا الفضل ويضمنان قدر الدين للمرتهن وإن رجعا عن الرهن دون التسليم بأن قالا : سلم إليه هذا العبد وما رهنه لا يضمنان ا هـ . ادعى الراهن الرهن وأنكر المرتهن
وأما الإجارة ففي المحيط مكة يدعي الإجارة بخمسين وأقام بينة فعطب وادعى صاحب البعير الغصب ثم رجعا ضمنا قيمة البعير يوم عطب إلا مقدار ما أخذ صاحب البعير من الأجر ركب بعير الرجل إلى لم يضمنا الفضل إن ادعى المستأجر الإجارة وجحد صاحب الدابة وإن ادعاه صاحب الإبل وجحد المستأجر ضمنا له ما أداه ما فوق أجر البعير وأما المضاربة ففي المحيط شهدا أنه أكراه دابته بمائة إلى موضع كذا أو أجر مثلها مائتان فركبها ثم رجعا لم يضمنا فإن قبضاه واقتسماه نصفين ثم رجعا ضمنا سدس الربح قيل : هذا في كل ربح حصل قبل رجوعهما فأما ربح حصل بعد رجوعهما فإن كان رأس المال عرضا فكذلك وإن كان نقدا فرب المال يملك فسخها فكان راضيا باستحقاق الربح ا هـ . ادعى المضارب نصف الربح فشهدا به ورب المال مقر بالثلث ثم رجعا والربح لم يقبض
وأما الشركة ففي المحيط ضمنا لصاحب الثلث ما بين النصف والثلث وما ربحا بعد الشهادة فلا يضمنان عليهما . ا هـ . شهدا أنهما اشتركا ورأس مال كل واحد منهما ألف على أن الربح أثلاث وصاحب الثلث يدعي النصف وربحا قبل الشهادة فاقتسما أثلاثا ثم رجعا
وفي كافي الحاكم ضمنا ذلك النصف للمشهود عليه وأما الشفعة ففي المحيط ولو في يد رجل مال فشهد الرجل أنه شريكه شركة مفاوضة فقضي له بنصف ما في يديه ثم رجعا لم يضمنا وإن كان الأول قد بنى فأمره القاضي بنقضه يضمنان قيمة بنائه ولهما النقض ا هـ . شهدا أن الدار التي في يد الشفيع ملكه فقضي له بالشفعة ثم رجعا
وأما الميراث ففي المحيط ضمنوا الميراث للكافر الوارث وأما الوصية ففي المحيط شهدا لرجل مسلم أن أباه مات مسلما وعرف كافرا وللميت ابن آخر كافر ثم رجعوا ضمنوا جميع الثلث وتمامه فيه وفي كافي ادعى رجل أن فلانا الميت أوصى له بالثلث من كل شيء وأقام البينة فقضي ثم رجعوا الحاكم لو فلا ضمان عليهما والضمان على الوصي إن استهلك شيئا ا هـ . شهدا أن الميت أوصى إلى هذا في تركته فقضى القاضي بذلك ثم رجعا
وأما الوديعة والعارية ففي كافي الحاكم ضمنا له ما غرم وكذلك العارية ا هـ . شهدا على رجل بوديعة فجحدها فضمنها إياه القاضي ثم رجعا
[ ص: 129 ]