الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ومن في يده شيء سوى الرقيق لك أن تشهد أنه له ) ; لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك إذ هي مرجع الدلالة في الأسباب كلها فيكتفى بها وعن أبي يوسف أنه يشترط مع ذلك أن يقع في قلبه أنه له قالوا ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا لإطلاق محمد في الرواية قال في فتح القدير قال الصدر الشهيد وبه نأخذ فهو قولهم جميعا ا هـ .

                                                                                        فلو رأى درة في يد كناس أو كتابا باقيا في يد جاهل لا يشهد بالملك له بمجرد يده كذا في البزازية ومن مشايخنا من قال أنها دليل الملك مع التصرف لكونها متنوعة إلى أمانة وملك قلنا والتصرف يتنوع أيضا إلى أصالة ونيابة وظاهر كلام المؤلف أنه عاين المالك والملك فإذا رآه في يد آخر فجاء الأول وادعى الملك وسعه أن يشهد أنه له بناء على يده قالوا وكذا إذا عاين الملك بحدوده دون الملك استحسان ; لأن النسب يثبت بالتسامع له وفرع على هذا الناصحي بأن المالك لو كان امرأة [ ص: 76 ] لا تخرج ولا يراها الرجال فإن كان الملك مشهورا أنه لها جاز أن يشهد عليه ; لأن شهرة الاسم كالمعاينة ا هـ .

                                                                                        وأورد عليه لزوم الشهادة بالمال بالتسامع وأجيب بأنه في ضمن الشهادة بالنسب كما في النهاية وتعقبه في فتح القدير بأن مجرد ثبوت نسبه بالشهادة عند القاضي لم يوجب ثبوت ملكه لتلك الضيعة لولا الشهادة به وكذا المقصود ليس إثبات النسب بل الملك في الضيعة . ا هـ .

                                                                                        وخرج مسألتان إحداهما أن لا يعانيهما وإنما سمع أن لفلان كذا الثانية أن يعاين المالك لا الملك فلا يحل له أن يشهد لكونه مجازفا في الأولى وفي الثانية لم يحصل له العلم بالمحدود وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن من رأى شيئا في يد إنسان ولم يره قبل ذلك في يد غيره فإن له أن يشتريه منه فإن كان رآه قبله في يد غيره فإن أخبره بانتقال الملك إليه أو بالوكالة منه حل الشراء وإلا فلا وكذا لو رأى جارية في يد إنسان ثم رآها في بلد أخرى وقالت أنا حرة الأصل لا يحل له أن ينكحها وسيأتي تمامه في الكراهية واستثنى المصنف الرقيق أي العبد والأمة وهو مقيد بما إذا كانا كبيرين لأن لهما يدا على أنفسهما تدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك وعن أبي حنيفة أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضا اعتبارا بالثياب .

                                                                                        والفرق ما بيناه وإن كانا صغيرين لا يعبران عن أنفسهما كالمتاع لا يد لهما فله أن يشهد بالملك لذوي اليد وعلى هذا فالمراد بالكبير في كلامهم هنا من يعبر عن نفسه سواء كان بالغا أو لا كما في النهاية ثم اعلم أنه إنما يشهد بالملك لذي اليد بشرط أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره فلو أخبراه لم تجز له الشهادة بالملك له كما في الخلاصة وقدمناه وأشار المؤلف إلى أن القاضي لو رأى عينا في يد رجل فإنه يجوز له القضاء بالملك كما في الخلاصة والبزازية وبه ظهر أن قول الشارح في تقرير أن الشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد عن سماع أو معاينة يد لم يقبله أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بسماع نفسه ولو تواتر عنده ولا برؤية نفسه في يد إنسان سهو إلا أن يحمل ما قالوا لو رأى شيئا في يد إنسان ثم رآه في يد غيره فإنه لا ينتزعه منه من غير أن يدعيه الأول فما في الفتاوى فيما إذا ادعاه المالك وما في الشرح فيما إذا لم يدعه

                                                                                        [ ص: 76 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 76 ] ( قوله لا يحل له أن ينكحها ) لعله مبني على الرواية الآتية قريبا عن أبي حنيفة تأمل ( قوله أن القاضي إلخ ) مقول القول ( قوله سهو إلا أن يحمل إلخ ) رده العلامة المقدسي بأنه لا سهو في كلام الزيلعي ومراده أن القاضي لا يقضي قضاء محكما مبرما بحيث لو ادعى الخصم لا يقبل منه بدليل ما صرح به قبيل هذا في أول القول بأنه يقضي به قضاء ترك بمعنى أنه يترك في يد ذي اليد ما دام خصمه لا حجة له حموي وأقول : لا حاجة إلى تكلف إبداء وجه التوفيق ودفع المعارضة لأن المسألة مختلف فيها فما في الزيلعي يبتنى على قول المتأخرين من أن القاضي ليس له أن يقضي بعلمه وهو المفتى به وما في الخلاصة والبزازية يبتنى على مقابله أبو السعود وفي الحواشي السعدية ولا يتوهم المخالفة بين ما ذكر الزيلعي وما في النهاية فإن ما في شرح الكنز هو ما إذا رأى القاضي قبل حال القضاء ثم رأى حال قضائه في يد غيره كما لا يخفى . ا هـ .

                                                                                        ( قول المصنف وإن فسر للقاضي إلخ ) بقي في كلام المصنف مسألة من المتن لم يذكرها المؤلف وهي قوله بعد هذه المسألة ومن شهد أنه حضر دفن فلان أو صلى على جنازته فهو معاينة حتى لو فسر للقاضي قبل قال الشارح الزيلعي ; لأنه لم يشهد إلا بما علم فوجب قبولها لدخوله تحت قوله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } وقال تعالى { وما شهدنا إلا بما علمنا } .




                                                                                        الخدمات العلمية